أولى

الرئيس المقبل…

‭}‬ مأمون ملاعب
لم يكن يوجد انتخابات أسهل من انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان. عدد كبير منهم انتخب دون منافس، وكلهم، باستثناء سليمان فرنجية، انتخبوا من الدورة الأولى بأكثرية الثلثين، حتى أنه حين اغتيل رينيه معوض في 22 تشرين الثاني 1989، انتخب خلفه الياس الهراوي بعد يومين في 24 تشرين الثاني 1989 بأكثرية وازنة، علماً انه لم يحصد إلا خمسة أصوات حين نافس معوّض نفسه. تمّ التمديد لثلاثة رؤساء بتعديل الدستور استثنائياً ايّ بموافقة أكثرية الثلثين. كان ذلك حين كانت الانتخابات تتمّ بوصاية خارجية دولية او إقليمية او تفاهم في ما ببنهما، وحين تعذر التفاهم الدولي (الولايات المتحدة) والإقليمي (سورية) مع نهاية عهد أمين الجميّل تعذر انتخاب رئيس وبقيَ الفراغ حتى عاد التفاهم مع اتفاق الطائف.
حالياً لا توجد قوة إقليمية مؤثرة في الانتخابات إلا السعودية ولم يعد لأيّ جهة دولية الكلمة الفصل بل انّ دور الولايات المتحدة وفرنسا هو نفسه الدور الإقليمي السعودي الى حدّ كبير. الموضوع إذن رهن التوافق الداخلي، وهنا الطامة الكبرى بعكس الوضع الطبيعي لأيّ دولة.
انتخب الرئيس ميشال عون بتوافق داخلي وغياب الرضى السعودي الأميركي، فكان عهده ست سنوات من العواصف المزعجة التي اجتاحت الشعب اللبناني الى أن عاد وتعذر الانتخاب، فكان الفراغ الرئاسي في ظلّ حكومة تصريف أعمال وأفق ضبابي معدوم الرؤية.
ينتخب رئيس الجمهورية من قبل المجلس النيابي. لا يختلف النواب لا على طبيعة النظام ولا على الميثاقية والديمقراطية التوافقية. لا يختلفون على برامج للمستقبل لأنها معدومة ولا على إصلاح الواقع المرزي، كما لا يختلفون على طائفية النظام ولا على قانون الأحوال الشخصية، ولا على الاقتصاد الرأسمالي الحر، ولا حتى على دور الجيش والقوى الأمنية، لكنهم لا يتفقون على انتخاب رئيس فعلى ماذا الاختلاف إذن؟
يتقوقع اللبنانيون في طوائفهم ويتعاملون مع بعضهم، في ما يخصّ السياسة والدولة، من خلالها وكأنّ كلّ طائفة لها امتيازاتها ومصالحها وحقوقها. المواطن من طائفة معينة يقصد المسؤول في طائفته طلباً لشأن ما في الدولة، وظيفة أو غيرها، ولا يمكن ان يحصل على مبتغاه من مسؤول آخر من طائفة اخرى، وكأنّ في الأمر خرقاً لـ «السيادة»!
ومع خطورة ذلك على الوحدة الروحية للمجتمع إلا أنّ الأمر تعدّى ذلك الى وضع أكثر خطورة حين انتهجت الطوائف سياسات استراتيجية وخارجية متناقضة فتحوّلوا من شركاء في الدولة الى أخصام شركاء في الأمر الواقع يتقاسمون المجتمع والدولة.
لقد تجاوب الانقسام الداخلي مع مراكز الجذب الخارجية أو انّ القوى الخارجية استغلت التنوع الداخلي وغذته انقساماً، لكن الخلاصة أنّ اللبنانيين منقسمون عمودياً الى جزأين أساسيين مع أجزاء مائعة تتنقل بحسب الظروف والعوامل الخارجية. فبين أنها مقاومة ولبنانية او احتلالاً إيرانياً، وبين أنها مطالبة بالحياد او عمالة لأميركا و»إسرائيل»، وبين أنّ سورية عمق قومي او شقيقة بأقلّ تقدير وبين أنها عدو، وبين انّ (إسرائيل) عدو مغتصب إرهابي او أنه «جار» فيما الفلسطيني منبوذ،
بين انّ لبنان وطن تاريخي مما قبل فينيقيا او هو وليد سايكس ـ بيكو وبشير الثاني كبير أو صعلوك وبشير الأخير بطل ورئيس أو خائن وعميل والقافلة تطول… انّ بلداً ينقسم أهله على القيم الوطنية والتاريخية على النظرة الى الأمور الخطيرة والاستراتيجية وعلى الماضي وعلى التطلعات، بلد يتآمر مسؤولوه على إفلاسه ويبقون في مسؤولياتهم بدعم كامل من أتباعهم. شعب يبحث عن حلول مشاكله فردياً او بالهجرة بدءاً من الطبيب الى قوافل الموت بحراً. دولة بهذه المواصفات لا ينقذها انتخاب رئيس أو تشكيل حكومة او انتخاب مجلس.
يُضاف الى كلّ هذا العفن النزعة الفردية عند بعض المسؤولين حيث تتقدّم الطموحات والمصلحة الشخصية على مصلحة البلد ولا باس لو دمّرت التحالفات والصداقات او تغيّرت المواقف والآراء السياسية. سقطت أدبيات الخمسينيات والستينيات: لبنان أكبر من ان يضمّ وأصغر من ان يقسَّم، لبنان وطن نهائي فإذا بأصحاب المقولات يعرضون الطلاق ويطالبون بالتقسيم وقد جرّبوا ذلك بالسبعينات.
هذه الأزمات أكبر من لبنان، وتعذر انتخاب الرئيس أحد تجلياته مثل تعذر تأليف الحكومات وتعذر تعديل قانون الانتخابات وتعذر الإصلاحات حتى تعذر تأمين الكهرباء، لا يبدو في الأفق من حلّ. صعب حالياً الإتيان بـ ميشال سليمان جديد حيث نغطي الأزمات بالرماد وما تلبث أن تستعر. صعب غلبة فئة على أخرى وفي كلا الحالتين فإنّ البلد لا يتجه الى شاطئ الاستقرار بانتظار جلاء وضع المنطقة والأزمة الدولية، لم يعد يوجد أزمة اقليمية فقد ارتبطت بالدولية ومصير لبنان يتقرّر بعد ذلك…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى