أولى

جنين وعملية القدس… والمقاومة بين الانتفاضة ومناهضة التطبيع

‭}‬ د. جمال زهران*
«مخيم جنين»، هو رمز للمقاومة الفلسطينية، ورمز لاستمرار القضية بكلّ جوانبها، ورمز للتضحية، حيث يتحمّل اعتداءات وسخافات العدو الصهيونية باستمرار، إلا أنّ المخيم وسكانه، صامدون، ولا ييأسون أو يستسلمون.
لذلك فإنّ أول ردّ فعل بطولي على العدوان الصهيوني على المخيم، هو قيام شاب فلسطيني في ربيع عمره وصاحب الـ (21) سنة، يثأر لجنين، وشهدائها العشرة في آخر هجوم صهيوني، بالمبادرة بالقيام بعملية فدائية ضدّ الصهاينة في قلب القدس، وقتل وأصاب أكثر من عشرين صهيونياً، وكأنّ القدر أراد أن يكون حصاد عملية القدس من قتلى وجرحى، هو نفس العدد الذي راح ضحية العدوان الصهيوني على مخيم جنين، وقبلها بساعات! وفي نفس الوقت فإنّ عملية القدس، بقيادة الشاب المناضل الشهيد/ خيري علقم، كان ثأراً لجدّ هذا المناضل الذي قتله مستوطن صهيوني طعناً بالسكين منذ أكثر من 25 سنة!
إذن، الفلسطينيون، لا يتركون حقهم في الثأر، وانْ طال الوقت. ولا زلنا نثق، وسنظلّ، في شعبنا العربي في أرض فلسطين المحتلة، في أنهم سيظلوا يقاومون حتى تحرير فلسطين كاملة من النهر إلى البحر.
ونحن كمناصرين للعروبة والمقاومة، باعتبار أنّ خيار المقاومة هو الخيار الوحيد، من أجل تحرير فلسطين، سنظلّ على العهد مع وإلى جانب ووراء الفلسطينيين، خاصة أنّ تحرير فلسطين هو أمن قومي عربي أساساً، وهو قلب الصراع الحضاري بين العرب والاستعمار الغربي، في معركة التقدّم. حيث قال الزعيم جمال عبد الناصر، إنّ الصراع العربي الصهيوني، هو صراع وجود وحقوق وليس صراع على حدود.
وعلى الجانب الآخر، فإنّ معركة مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، لا تزال مستمرة، بعد سقوط متتالٍ من بعض الأنظمة العميلة للاستعمار والصهيونية. حيث التقى وزير خارجية الكيان الصهيوني برئيس المجلس العسكري في السودان، في العاصمة الخرطوم، وفي زيارة رسمية، بهدف تفعيل التطبيع، الذي عقد اتفاقية بشأنه منذ عام!
فقد كان لقاء البرهان مع وزير خارجية الكيان، على أرض عربية، هي الخرطوم عاصمة الدولة السودانية، لقاءً استفزازياً، وسط رفض شعبي من السودانيين، وأعلنت جبهة الحرية والتغيير في السودان فض التحالف مع السلطة الحاكمة برئاسة البرهان، وأعلنت العصيان المدني، وأعطت تعليمات لجميع أئمة المساجد في السودان بأن تكون خطبة الجمعة ضدّ لقاء البرهان مع وزير خارجية الكيان، وإعلان رفض التطبيع، حتى أنّ التيار الإسلامي العام في السودان أعلن رفضه لهذه الزيارة، على خلفية أنّ اليهود أهل خزي وعار، وأنهم غير مؤتمنين. كما أعلنوا مناصرتهم للقضية الفلسطينية.
إذن الشعب السوداني كله ضدّ التطبيع، وضدّ البرهان، ورئيس المجلس السيادي المؤقت والقابض على السلطة في البلاد، باعتباره يمتلك أدوات القوة متمثلة في الجيش السوداني.
والسؤال هنا: إذا كان الشعب السوداني كله. بجميع فصائله ضدّ التطبيع مع العدو الصهيوني، فلماذا يفعل البرهان ذلك التطبيع، بقبول زيارة وزير خارجية هذا الكيان الغاصب للأرض الفلسطينية منذ عام 1948، وحتى الآن؟! الإجابة الحاسمة، هي: أنّ النظام السوداني الحاكم بالقوة العسكرية، يعاني من فقدان الشرعية السياسية، والتي تتمثل في القبول الشعبي لهذا المجلس السيادي الحاكم برئاسة عبد الفتاح البرهان، ومن ثم يسعى للاستقواء بالخارج مثلما تفعل أنظمة عربية أخرى، ويحاكيها. ويتمثل هذا الخارج في السعي للحصول على الرضا الأميركي عبر تقوية العلاقات بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتلك هي المعضلة الكبرى في السودان.
لكن لو يعلم هؤلاء، أنّ هذا الخيار، هو خيار فاشل، وأثبت فشله لأنظمة عربية تفتقر إلى انعدام الشرعية. لكن الخطورة هو أنّ هذا الانبطاح من بعض الأنظمة العربية، يؤدّي إلى إطالة عُمر الكيان الصهيوني من جانب، ويؤدّي إلى تشجيع بعض الأنظمة غير العربية، على دعم علاقاتها والتطبيع مع الكيان الصهيوني، مثلما تشاء من جانب آخر!
لذلك فإنّ على المثقفين في الوطن العربي، مقاومة الفكر التطبيعي مع الكيان الصهيوني، بالمواجهة وكشف المستور، وفضح النظم العميلة، وتلك هي معركة الحاضر والمستقبل، حتى ينتهي الوجود الصهيوني في المنطقة العربية كلها وتحرير فلسطين كاملة من البحر إلى النهر، بلا نقصان.
كما أنّ إشعال «الانتفاضة» الجديدة في أرض فلسطين المحتلة هي الخيار، الذي لا نكوص عنه، لأنها تمثل معركة النهاية في الصراع مع الكيان الصهيوني، وكلّ العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، تدعم هذا الخيار. تلك هي رسالتي لكلّ من بيدهم أمر دعم المقاومة، وتحرير فلسطين، والله الشاهد…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية،
والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى