مقالات وآراء

رئيسي في بكين… دفعٌ جديد في مسار تعزيز الشراكة الثنائية

‭}‬ بتول قصير
«الأصدقاء القدامى هم أفضل الشركاء من أجل مستقبل مشرق».
هذا العنوان الذي استهلّ به رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد ابراهيم رئيسي مقاله في صحيفة «الشعب» الصينية، لعله مصداقاً للرابطة الوثيقة بين طهران وبكين.
تعقد إيران آمالاً كبيرة على تعاونها مع الصين، لا سيما في المجال الاقتصادي، حيث الاتفاقيات الموقّعة بين الجانبَين لمدّة 25 عاماً، والتي يُنتظر أن توضع خلال زيارة الرئيس الإيراني إلى الصين موضع التنفيذ. وعليه فإنّ الزيارة يؤمَل منها أن تضع مزيداً من الاتفاقيات بين البلدَين، وحدّاً لـ «التوتّر» في العلاقات الإيرانية ـ الصينية، والذي رافق زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى السعودية، وما تخللها من بيانات منتقدة للجمهورية الإسلامية.
تأتي زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الصين بناءً على دعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ من 14 إلى 16 فبراير/ شباط الحالي، وسيلتقي نظيره الصيني، وهو اللقاء الثاني بينهما بعد اللقاء الأول الذي جمعهما على هامش قمة منظمة شنغهاي في أوزبكستان في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي.
ويمكن فهم الزيارة على أنها توطيد للثقة السياسية المتبادلة بين البلدين، بالإضافة الى العلاقات الاقتصادية التي تشهد تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، خصوصا ًفي مجالات الطاقة والنقل والزراعة والتجارة والاستثمار.
تتقابَل ايران وبكين في ميادين مختلفة، ويظهر التنسيق الصحيح للدولتين على الساحتين الدولية والإقليمية، وتحديداً في ما يتعلق بمعارضتهما للهيمنة والأحادية الأميركية ومحاولة السعي لظهور نموذج ناجح يمكن ان تقتدي به دول العالم الأخرى التواقة للانعتاق من التبعية لأميركا ولباقي القوى الغربية الجشعة وعقوباتها القمعية، في وقت يحتدم الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأميركية وتأجيل وزير الخارجية الأميركي زيارته إلى بكين بعد أزمة المنطاد وخضوع شركات إيرانية وصينية لعقوبات أميركية، الأمر الذي يخلق حالة من انعدام الأمن.
إلا أنّ بيان القمة الخليجية ـ الصينية الأخير الَّذي تطرَّق إلى الجزر المتنازع عليها بين إيران والإمارات العربية المتحدة والاتفاق النووي الإيراني أثار استياء طهران التي استدعت السفير الصيني لديها، وأعربت عن انزعاجها الشديد مما ورد في بيان القمة. وتلقفت بكين امتعاض طهران عبر إرسال نائب رئيس مجلس الدولة الصيني هو تشون هوا إلى إيران، الَّذي شدّد في أثناء اجتماعه بالرئيس الإيراني على تصميم الصين على تطوير شراكتها الاستراتيجية الشاملة مع إيران.
وفي أعقاب الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات عليها، شهدت العلاقات الايرانية ـ الصينية مزيداً من التقارب، خصوصاً مع جنوح إيران نحو توطيد العلاقات مع كلّ من بكين وموسكو إثر العقوبات المفروضة عليها من واشنطن، فيما يتحدّث المسؤولون الإيرانيون بصراحة عن ضرورة اعتماد سياسة التوجّه شرقاً.

وعليه فإنّ الزيارة هذه ستكرّس مبادئ اتفاقية التعاون بين الطرفين والتي عُقدت في آذار/ مارس 2021 ، وهي اتفاقية تعاون لمدة 25 عاماً تشمل مجالات «سياسية، استراتيجية، واقتصادية.
فعلى الصعيد الاستراتيجي تأتي هذه الزيارة في إطار تقوية العلاقات بين إيران والصين وروسيا، لأنّ هذا المثلث يشكل النواة الأولية المؤثرة على الصعيد الدولي. أضف الى ذلك سيبحث البلدان في ملفات إقليمية ودولية، لعلّ أبرزها الأوضاع الأمنية في أفغانستان والتعاون مع حركة «طالبان»، وخصوصاً بعدما هدّد تنظيم «داعش» منذ عدة أيام بالاعتداء على السفارات الصينية والهندية والإيرانية في أفغانستان، مما يهدّد استقرار المنطقة وأمنها.
من جهة اخرى، تسعى الصين من خلال هذه الزيارة إلى تحقيق نجاح لمبادرتها في تقريب وجهات النظر بين طهران والرياض، وذلك عبر عقد لقاء بين وزيري خارجية إيران والسعودية كخطوة أولى، ومن ثم تتمّ دعوة بقية دول مجلس التعاون الخليجي إلى قمة خليجية إيرانية تعقد في الصين.
ولأنّ المبادرة الصينية الحالية ليست هي الأولى، فقد أبدت الصين دعمها عدة مرات ورغبتها في أن تقوم بدور الوسيط بين إيران والسعودية؛ ففي آذار/ مارس 2017، أعلنت استعدادها للتوسط بين الجانبين. فقد جاءت المبادرة على لسان وزير خارجيتها آنذاك وانغ يي قبيل زيارة أجراها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى بكين. وعليه فإنّ المكانة التي تحظى بها الصين بالنسبة لكلٍّ من إيران ودول الخليج، يجعل منها وسيطاً سلمياً موثوقاً ومقبولاً لدى الطرفين، وهذا ما تؤكده تصريحات كلّ من وزير خارجية إيران حسين امير عبد اللهيان ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان. ومن جهة ثانية تعتبر إيران نقطة استراتيجية للصين في طريق الحرير، الأمر الذي يفسّر إصرار بكين على تخفيف التوترات بين إيران ودول الخليج لضمان إنجاح مبادرة «الحزام والطريق».
في النتيجة، سيتمخض عن الزيارة التي تكتسب طابعاً إقليمياً ودولياً مهماً على كافة المستويات، حزمة جديدة ومتقدّمة من الاتفاقات التي تصبّ في مصلحة كلا البلدين ونوعاً من الهدنة في المنطقة إذا ما نجحت المبادرة الصينية في تحقيق انتصار على خط العلاقات الإيرانية ـ السعودية، إلا أنّ العقبة الكبرى تكمن في الولايات المتحدة التي لن تسمح بإنجاح المبادرة الصينية لتحسين العلاقات بين إيران والسعودية، وتبوّؤ بكين الصدارة في الشرق الأوسط الأمر الذي يقلق واشنطن، لما له مخاطر وتبعات على أميركا والغرب، خاصة مع وجود مناخ سياسي ملائم للغاية وإرادة كلّ من طهران وبكين توسيع العلاقات الثنائية المشتركة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى