مقالات وآراء

من آثار الحرب الاقتصادية: تفشي ظاهرة السلب والسطو المسلح

 

‭}‬ زينب زعيتر*
يُقال، للحروب أثمان باهظة، لا بدّ أن يسدّدها المتحاربون، وبما أنّ الأزمة المالية التي تعصف بلبنان حاليّاً، هي شكل من أشكال الحروب الاقتصادية، فمن نافلة القول، أن نسأل ما الأثمان المترتبة على لبنان، في ظلّ هذه الحرب المعلنة التي تدور رحاها على أراضيه؟
للحرب العسكرية ميدان واحد، وهو الجبهات، أما الحرب الاقتصادية فميادينها متعددة، منها على سبيل المثال المصارف.
في لبنان حيث تدورة معركة حقيقية بين المصرف المركزي ومعه المصارف اللبنانية من جهة والمودعين والمواطنين اللبنانيين من جهة أخرى، بإمكاننا أن نرى بوضوح الآثار الجانبية الناجمة على الحرب.
في هذا المقال، سنكتفي بعرض أثرين اثنين لا غير، هما ظاهرة السرقة، وظاهرة السطو المسلَّح.
تكشف البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية أرقاماً مهولة حول تفشي جريمة السرقة في لبنان، حيث كثرت في الآونة الأخيرة عمليات السطو بقوة السلاح، والنشل، بشكل لم يعهده المواطن اللبناني من قبل، فما حيثيات تفشي هذه الظاهرة، وما مآلاتها؟
سرقة المنازل، سرقة الدراجات النارية، النشل (التشليح)، السطو المسلح، احتجاز رهائن مقابل فدية مالية، فرض أتاوات، قطاع الطرق الليليّون، كلها مظاهر متفاوتة من مظاهر السرقة، وإنْ اختلفت المسمّيات.
بعضها كان رائجاً في ما مضى وبعضها الآخر، برز مؤخرّاً، وبعضها الآخر ازدادت وتيرته في ظلّ الأزمة.
ليس جديداً على اللبنانيين سرقة أرزاق الناس واستلاب أموالهم، فهي ظاهرة قديمة، على ما يبدو، ولكن الجديد في الأمر هو تطور هذه الجريمة وانتقالها من الطور الفرداني المحدود إلى الطور المنظم، حتى بتنا أمام ما يُعرف في علم الجريمة بـ «الجريمة المنظمة» التي تقف خلفها عصابات محترفة، تجيد حرفتها بشكل لا يصدق.
قبل أعوام الأزمة الاقتصادية التي شارفت على عامها الرابع، كانت حالات السرقة محدودة، وبدائية نوعاً ما، أما اليوم فباتت أكثر جرأة واحترافية، فما السبب؟
البعض يرى أنّ ازدياد السرقات، سببه تردّي أحوال الناس، ما دفع بالعديد من العاطلين عن العمل إلى البحث عن سبل جديدة يعوّضون من خلالها النقص الحاصل، حيث يلجأ العديد ممن ضاقت بهم سبل العيش إلى امتهان السرقة المنزلية والنشل وغيرهما من أنواع السرقة، باعتبارهما أكثر الطرق شيوعاً لتحصيل اللقمة السهلة.
بينما يربط البعض الآخر تزايد حالات السرقة المنزلية، وغيرها من حالات السرقة الأخرى، بغياب الأمن، وتخلخل أجهزة الدولة، جراء تدني معاشات ورواتب العسكريين، والتسرّب الحاصل على مستوى العديد العسكري، حيث لجأ الكثير من عناصر الدرك والجيش إلى ترك الخدمة الفعلية والبحث عن عمل آخر، لضرورات معيشية بحتة، بعدما بلغت معاشات هؤلاء مستويات متدنية، لا طاقة لهم على تحمّل تبعاتها.
وسواء أصاب أصحاب الرأي الأول أو الثاني، فإنه من الواضح لدينا، أنّ كلا وجهتي النظر صحيحة. فالتدهور الحاصل في سعر صرف العملة المحلية، مصحوباً بغياب الأمن، شجع العديد من ضعاف النفوس على طرق باب السرقة بحثاً عن اللقمة السهلة، كما سبق وأسلفنا.
وبخلاف السرقة المنزلية والنشل، فإنّ السطو المسلح يأخذ بعداً أكثر خطورةً، لكونه يتخطّى اعتبارين رئيسيين: سلامة المواطنين، وهيبة الدولة.
مع بدء الأزمة الاقتصادية عام ٢٠١٩، استطاعت أجهزة الدولة أن تحافظ على الحدّ المطلوب من تماسكها، ما جعل جرأة اللصوص على القيام بعمليات سطو مسلح محدودة، ولكن لاحقاً بعد وصول سعر صرف الدولار إلى مستويات خيالية، بدت عُرى القوى الأمنية، وكأنها تتفكك ما أسال لعاب هؤلاء، وجعل العديد منهم ينحو مناحي أكثر جرأة ووقاحة، فكانت أن شاعت عمليات السطو المسلح و (التشليح) على نطاق واسع.
يخبرنا أحد الذين تعرّضوا لعملية سطو مسلح على طريق المطار (إ. ز) عن تجربته فيقول: »ذات ليلة، وبينما كنت مارّاً على طريق المطار، إذا بلصّين مقنّعين ومسلّحين يركبان دراجة نارية، يطلبان إليّ التوقف، فما كان مني تحت وطأة التهديد إلا أن امتثلت لأمرهما، وركنت الدراجة إلى جانب الطريق. كان المشهد وحده كافياً لدبّ الذعر في نفسي، فأعطيتهما كلّ ما في حوزتي من مال، وحتى هاتفي المحمول ودراجتي، ثم قفلت عائداً إلى بيتي، دون أن أنبس بأيّ كلمة… لقد كانت تجربة قاسية، لم يسبق لي أن تعرّضت لمثلها من قبل«.
نستفيد من تجربة (إ. ز) الآتي: من الواضح أنّ غياب الأمن، قد شجع أمثال هذين اللصين على حمل السلاح والنزول به إلى الشارع، دون الاكتراث لتبعات ذلك. قبل سنوات الأزمة، كان قطاع الطرق يحسبون ألف حساب لدوريات قوى الأمن الراجلة، لذا ففي الغالب كانوا يحاولون إخفاء أسلحتهم، وكانوا يبدون شيئاً من الحيطة والحذر، أما اليوم فبفعل التسيّب الأمني الحاصل، لم يعد هؤلاء يقيمون اعتباراً لسلطة القانون، وباتوا أكثر جرأة ووقاحة.
من شأن الهبوط المستمر في سعر صرف العملة المحلية، أن يزيد من وتيرة عمليات السطو المسلح مستقبلاً. هذه المتلازمة باتت واضحة للعيان، وما من أحد يرى خلاف ذلك. ولكن يبقى السؤال: إلى متى سيستمرّ هذا الأمر؟ وهل من حلول في الأفق القريب؟!

*باحثة اجتماعية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى