أولى

الثقافة أخلاق…

د. كلود عطية _
الثقافة المرتبطة بالأخلاق هي قوة حقيقية لا تتأثر بالعصبيات أو بقرارات عشوائية إلغائية… تبقى ثقافة حياة منتجة للمعرفة والحقيقة والنقد البنّاء لأساليب العمل والتفكير وطرق البناء والتغيير… والأهمّ هو ارتباط الثقافة بالمؤسسات الشرعية غير الوهمية التي تعبّر عن الانتماء والنهضة والصراع وبناء الإنسان، كما تعبّر في حقيقة ذاتها عن أسباب وجودها واستراتيجية عملها للنهوض بالمجتمع ورفعه إلى المجال الثقافي الحيويّ .
«وحتى تتمكَّن المُؤَسَّسَة من حماية كيانها، عليها أولاً أن تكون شرعية ومعترفاً بها قانونياً وأخلاقياً، لكي تتمكن من بناء ذاتها وبناء ثقافة تنظيميَّة قويَّة وراسخة تُوَفِّر لها عوامل الاستقرار والانتشار… ويتحتَّم عليها كذلك الاهتمام بالكثير من العناصر الخاصَّة بها كي تكون مؤسسة جامعة يرتبط وجودها بوجود المجتمع بكلّ فئاته… وبالتالي لا تكون مؤسّسة مغلقة الأبواب على غايات وأهداف ضيقة، ما يفترض بها، أن تمتلك الرؤية التي تجعل الآخر يحترمها ويعترف بوجودها.. فالثَّقَافَة التَّنظِيمِيَّة الناجحة تنبُع من رؤية محدَّدة للمُؤَسَّسَة، تعكس بوضوح طبيعة مهامها أو أهدافها، بما يُقْنِع عملاءها المستهدَفين باتِّخاذ القرار نحو التعامُل معها».
«ومن الضروري للغاية أن ترتبط رؤية المُؤَسَّسَة بشكلٍ وثيقٍ بالقِيَم التي تتبَّناها، فهي جوهر ثقافتها التَّنظِيمِيَّة؛ لأنها تتمحور حول مجموعة من الإرشادات بشأن السلوكيَّات والمعتقدات الواجب اتباعها مِن قِبَل الأفراد لتحقيق أهدافها». كما يجب أن تُتَرْجَم هذه القِيَم مِن قِبَل القيادة في صورة استراتيجيَّات ثقافية ترتبط بشكل مباشر بأحوال المجتمع وكيفية التعامل مع الأحداث التي تعترضه والعمل من أجل مصلحته العليا…
هذا الأمر ينطبق بشكل لا يقبل الجدل على عقيدة ومبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي اعتنق أفراده الأخلاق وثقافة الحياة.. وعمل منذ أسّسه المفكر المعلم أنطون سعاده على نهضة المجتمع والإنسان!
غير أنّ الحزب الذي أراده سعاده هو الحزب الحاضن لكلّ المجتمع وليس لفئة او لفئات منه، وهذا يعني حتماً، انه لا يجوز تصنيف الحزب السوري القومي الاجتماعي بين اليسار واليمين لأنّ هذين المصطلحين ينطبقان على الأحزاب السياسية العادية لا على الأحزاب القومية التي تعتمد المجتمع كله في عملها وفلاحها. من هنا نفهم قول سعاده: «إنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي لأكثر كثيراً من جمعية تضمّ عدداً من الأعضاء أو حلقة وجدت لفئة من الناس أو من الشباب. إنه فكرة وحركة تتناولان حياة أمة بأسرها، إنه تجدّد أمة توهّم المتوهّمون أنها قضت إلى الأبد…». وقوله: ”إنّ زمن القطعان قد انتهى، وابتدأ زمن الجماعة المدركة الحرة!». الحزب السوري القومي الاجتماعي، إذاً، هو للجميع ـ لكلّ المجتمع ـ وليس لفئة منه يسارية كانت أم يمينية.
من هنا، علينا أن ندرك أنّ الأخلاق هي التي تحدّد شكل ومذاق ولون النهج الثقافي للمؤسسة الحزبية الشرعية، لأنّ الأخلاق تحدّد الأسلوب الذي يُقدّم به هذا النهج الثقافي أو ذاك، وتحدّد لون التواصل والتكامل في الأخذ والعطاء، وهي بدورها قابلة للقبول أو الرفض، والانتشار أو الانحسار، وقد تدعم وتقوّي الثقافة، وقد تضعفها؛ ولكنها تبقى ثابتة عند معتنقيها مهما كان شكل التعامل معها، لأنّ التعامل السلبي ـ غير الأخلاقي، الملون بالعصبيات والغايات المريضة ـ يرتدّ على أصحابه ومخترعيه التخريبيّين.
الأخلاق هي أسلوب التواصل الثقافي للمؤسسات النهضوية، وهي روحها التي تبعث بها الحيوية، والديمومة، فغاية الأخلاق القومية هي تحقيق السعادة والمنفعة والخير لكلّ المجتمع، لكلّ الوجود القومي جسماً ومكاناً…
*عميد الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى