أولى

زلزال بكين يهز البترو دولار… ويجعل الصين تعلو عرش العالم

محمد صادق الحسيني

ما يجري منذ مدة من تحوّلات كبرى في المنطقة لم يكن ليحصل لولا المقاومة الأسطورية التي خاضتها قوى محور المقاومة، وذلك في إطار استراتيجية محكمة وضعتها قياداتها بعنوان كبير هو:
طرد الهيمنة الأميركية من المنطقة (الشيطان الأكبر) ومحاصرة الغدة السرطانية (إسرائيل)، في مقدّمة لاستئصالها تماماً في ظلّ أجواء كهذه فقط، نجحت الصين في جمع قوتين إقليميتين متخاصمتين، تشكلان الثقل الأساس لجغرافية غرب آسيا، ما جعل الحدث أشبه ما يكون بالزلزال الاستراتيجي ليس فقط على المستوى الإقليمي بل وعلى المساوى العالمي…
فما حصل في بكين بعد 5 أيام من الكمون، الإيراني السعودي برعاية الرئيس الصيني، شخصياً، شكل تحوّلاً محورياً في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية لكلّ المنطقة العربية والإسلامية.
ما حدث يمكن تلخيص أسبابه وارتداداته المرتقبة كالآتي:
انّ أميركا ضعفت وتضعصعت وتصدّعت حتى جعل عاصمة خليجية كالرياض تابعة تاريخياً للغرب وتحديداً لأميركا، تخرج عن خيمة واشنطن بهذه الطريقة الدراماتيكية…
إيران قويت الى درجة أنها استطاعت أن تُكره السعودية بضرورة ملاقاتها حتى ولو في بكين، بعد ان كانت تطمع في مطاردة مهديها في شوارع طهران…
العلاقات الدولية تبدّلت بشكل كبير حتى بات بإمكان الصين ان تدخل وسيطاً قوياً ناجحاً في واحدة من أعمق وأخطر قضايا الخلاف الشرق الأوسطي.
تسارع التحول العالمي جعل “إسرائيل” تعيش عمى استخبارياً جدياً وحقيقياً، وفي حالة ذهول لا سابق له…
فنتن ياهو صُدم وتفاجأ وسمع الخبر من التلفاز ووسائل الإعلام أثناء تبجّحه في روما بأنه سيطبّع مع السعودية قريباً ويفتتح سكة حديد من حيفا الى الرياض، وهو الذي كان يتباهى من قبل بأنه استطاع سرقة وثائق التطور النووي الإيراني من قلب طهران،
أميركا لم تعرف بحقيقة وعمق توافقات بكين إلا بعد توقيعها، وانْ كانت تسمع بوجود جهود صينية في هذا الاتجاه.
هكذا فإنّ “إسرائيل” يتمّ تأديبها بقوة وتتلقى ضربة قاصمة لجهودها في التطبيع واتفاقات ابراهام…
ما عُرف بالناتو العربي مات وتمّ وأده تماماً، بعد فشل جهود أبو ظبي أولاً مع مصر، واليوم تأتي الخطوة السعودية لتقضي على آخر أمل في إعادة إحيائه..
إيران تمكنت عملياً من إعلان شرق أوسط أو غرب آسيا من دون أميركا بكلّ فطنة وحنكة، ودون دفع أثمان عالية كما كان يتوقع، ايّ أنها خطت الخطوة الأولى على طريق إخراج نفوذ أميركا من دون حرب…
هذا يعني أيضاً فتح آفاق جديدة لنهاية سعيدة للحرب اليمنية، فكلما ابتعدت واشنطن، من المنطقة كلما تمكن أنصار الله من استكمال نصرهم العظيم ومن فرض شروط أفضل لصالح إنهاء الحرب عليها كلياً، خاصة أنّ الرياض ظلت تعاني في أشهر الهدنة الأخيرة بأنها كلما أرادت إنهاء حربها الخاسرة والعبثية مع اليمن كلما كانت واشنطن تعرقل ذلك.
تبديل “إسرائيل” من قوة إقليمية الى دويلة معزولة ومحاصرة خاصة بعد ان حوّلها الفلسطيني المقاوم المبدع الى مجرد حاجز طيار يتنقل بين مدن الضفة الغربية، ويهاب الخروج ليس فقط الى الشمال، ولكن حتى الى غزة.
أول اختبار لقوة منتدى شانغهاي للتعاون والأمن، وهو المنتدى الذي بدأ في 2001 واستطاع ان يضمّ إليه إيران الدولة الإقليمية العظمى في السنة الماضية، وها هو يدخل عملياً العالم العربي من البوابة الأعرض والأوسع والأكثر ثقلاً أيّ السعودية.
هذا لا يقلل أبداً من طموحات إيران بأن ترى خليجاً إسلامياً آمناً من دون قبائل وهّابية أهّمها آل سعود، بعد أن حاصرتهم في عقر دارهم، وجعلتهم عاجزين عن تحقيق ما كانوا يتباهون به عبر الفضائيات كما كان ابن سلمان يرعد ويزبد بأنه سيُطارد المهدي المنتظر في شوارع طهران، في مقابلته الشهيرة مع الإعلام الغربي (سي أن أن).
ولما كنا ذاهبين الى فتح جديد وقريب على حساب أميركا وقريباً جداً وفي موسكو هذه المرة حيث ستجمع القيادة الروسية والإيرانية العدوّين اللدودين وهما سورية الأسد، وتركيا الأطلسية، بداية على مستوى وزراء الخارجية ومن ثم على مستوى القمة، فإنّ مسرح عمليات تصفية النفوذ الأميركي في غرب آسيا سيزداد وضوحاً.
العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا جاءت لتسرع وتعجل من هذا التحوّل العالمي، الذي سيفضي سريعاً الى إنهاء الأحادية الأميركية، وانطلاق التعدّدية القطبية العالمية، وزلزال الصين علامة فارقة في هذا السياق..
يأتي كلّ ذلك وسط اتفاقات استراتيجية طويلة الأمد بين طهران وكلّ من بكين وموسكو، ما يعني فعلاً أنّ مركز ثقل العالم ينتقل من الغرب الى الشرق، وكما كنا نقول دوماً، ومنذ سنوات، نعيد اليوم ونكرّر:
ثمة عالم قديم ينهار،
ثمة عالم جديد ينهض،
بعدنا طيّبين قولوا الله…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى