مقالات وآراء

إيران والسعودية والكنز الصيني… خفايا سياسية

‭}‬ د. حسن مرهج
استئناف العلاقات الإيرانية السعودية بسياقها الدبلوماسي، جاء صادماً للكثيرين ممن توقعوا التصادم بين طهران والرياض سياسياً وطائفياً، وهنا لا يمكن لأحد تجاهل قدرة إيران على هندسة معادلات جديدة، من شأنها جذب الخصوم إلى كنف سياساتها، وتبريد الملفات الملتهبة في الشرق الأوسط، وهذا الأمر يُحسب لإيران التي تمتلك من الأدوات الناعمة، ما يُمكنها من حصد المكاسب السياسية والاقتصادية، وبصرف النظر عن الهجمات الاقتصادية العالمية التي تُشنّ عليها، لكنها دائماً ما تخرج منتصرة، وهذا يُعدّ تفوقاً استراتيجياً بالمقاييس كافة.
صنع في الصين لكن بمواصفات دولية واستراتيجية. فـ الاتفاق على استئناف العلاقات الإيرانية السعودية، انطلق من الصين، ولم يكن مفاجئاً الإعلان بحدّ ذاته، بقدر ما كان مفاجئاً خروج هذا الإعلان من الصين، ولهذا الأمر دلالات كثيرة تبدأ في الولايات المتحدة، ولا تنتهي عند حدود النظام الدولي الجديد، لكن قبل الإعلان من الصين عن عودة العلاقات الإيرانية السعودية، سبقت هذا الأمر جولات عدة في العراق وسلطنة عُمان، وبالتالي ثمة سياقات يمكن وضعها في إطار بلورة شرق أوسط جديد، لكنه ليس بالمواصفات الأميركية، خاصة أنّ المنطقة تحتاج الى الكثير من الدبلوماسية، لسحب فتيل التوترات من اليمن إلى لبنان ووصولاً إلى سورية، وعليه ثمة قواسم مشتركة تجمع القوى الإقليمية، لسحب فتيل التوترات من المنطقة، لا سيما أنّ كلّ حلفاء واشنطن ومن ضمنهم السعودية، باتوا على دراية تامة، بأنّ واشنطن لم تعد صاحبة اليد الطولى في المنطقة، نتيجة لذلك لا بدّ من تأسيس شراكات جديدة، وطيّ خلافات قديمة، لتأمين حلفاء جدد.
إذاً، عودة العلاقات الإيرانية السعودية جاء من الصين الخصم الإستراتيجي للولايات المتحدة، وهذا دليل واضح، على أنّ الصين باتت في أسس المعادلات الدولية، ولن نقول بأنّ الصين سحبت البساط من تحت الولايات المتحدة، لكنها باتت قطباً سياسياً واقتصادياً موازياً في التأثير والتفاعل والقدرة، التي تمتلكها واشنطن، وهنا من الواضح أنّ الجميع يرغب بالبحث عن حليف اقتصادي قوي، وتحالف سياسي متين، والصين تملك تلك المقومات، بما يجعلها رائدة العمل الدبلوماسي والسياسي والتصالحي.
المجتمع الدولي بارك خطوة السعودية وإيران، لحاجته لهدوء إقليمي ودولي، بعد العبث الأميركي في جُلّ الملفات الإقليمية والدولية، حتى الإعلام الغربي جاء في عناوينه العريضة، مُرحباً بالاتفاق، ومهاجماً للسياسات الأميركية، وواضعاً النقاط على الحروف الصينية، والتي تؤكد تعاظم الدور الصيني في عموم ملفات المنطقة، فقد ركزت صحيفة «واشنطن بوست» على دور الوساطة الذي قامت به بكين بالنسبة للاتفاق الذي تضمّن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران «وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران»، وكذلك التأكيد على «احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية»، فضلاً عن الاتفاق على عقد لقاء بين وزيري خارجية البلدين قريبا «لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما»، كما نص الاتفاق على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بينهما عام 2001، وكذلك اتفاقية اقتصادية موقعة عام 1998.
ووصفت الصحيفة هذا التطور بأنه «اختراق كبير لتنافس مرير لطالما قسم الشرق الأوسط»، ولفتت إلى فشل محاولات إدارة الرئيس باراك أوباما إصلاح العلاقات بين السعودية وإيران، الذي كان يرى أنّ الصراع بينهما يمثل «مصدراً للتوتر الطائفي في المنطقة».
حقيقة الأمر، أنّ استئناف العلاقات الإيرانية السعودية، سيكون له منعكاسات إيجابية على أوراق اليمن ولبنان وسورية. فـ في اليمن ثمة ضرورات سعودية للخروج من الحرب العبثية في اليمن، والبحث عمن يُنزلها من أعلى الشجرة، وكذا في لبنان، هناك حاجة لإنقاذ لبنان من محاولات جرّه إلى حرب أهلية بعناوين طائفية، وفي سورية هناك معادلات جديدة عنوانها قدرة دمشق على ترتيب أوراق المنطقة، والجميع يبحث عن دور له في معادلات دمشق الجديدة، وبالتالي، فإنّ عودة العلاقات الإيرانية السعودية، سيُزيل الخجل السعودي تجاه دمشق، والتي باتت قِبلة العرب.
ختاماً. قد يكون من المبكر الحُكم على عودة العلاقات الإيرانية السعودية، خاصة في ظلّ امتعاض أميركي من هذا الإتفاق الذي تمّ برعاية صينية، لكن ما سبق يبقى ضمن الخطوط والعناوين العريضة للآتي من الأيام، لكن في العمق، هناك مؤشرات تزداد قوة، بأنّ حلف دمشق إيران والمؤطر روسياً وصينياً، سيكون له منعكاسات إيجابية على أوراق المنطقة وجُلّ هواجسها. وفي انتظار النتائج…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى