أولى

سورية تشارك روسيا في رسم الخرائط الجديدة للمنطقة!

د. محمد سيد أحمد
تعدّ زيارة الرئيس بشار الأسد إلى روسيا يوم 15 آذار/ مارس 2023 هي الزيارة الرسمية الأولى له منذ بدء الحرب الكونية على سورية في 15 آذار/ مارس 2011. وعلى الرغم من زيارته لروسيا أربع مرات وزيارة الرئيس بوتين لسورية مرتين خلال سنوات الحرب. إلا أنّ هذه الزيارات لم تكن رسمية ولم يعلن عنها قبل إتمامها ولم يكن الرئيس الأسد يصطحب معه وفداً حكومياً. ولم نشهد استقبالاً رسمياً في المطارات على عادة الزيارات الرسمية. فمن المعلوم أنّ الزيارة الأولى تمت في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 وذلك بعد أيام قليلة من إعلان التحالف السوري ـ الروسي لمكافحة الإرهاب على الأرض السورية واستقبل الرئيس بوتين الرئيس الأسد في موسكو. والزيارة الثانية كانت في سوتشي في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بعد مرور عامين على بدء حرب التحرير. بعدها مباشرة قام الرئيس بوتين بزيارة سورية لأول مرة في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2017 واستقبله الرئيس الأسد في قاعدة حميم باللاذقية. ثم جاءت الزيارة الثالثة في 17 مايو/ أيار 2018 حيث استقبل الرئيس بوتين الرئيس الأسد في سوتشي. أما الزيارة الرابعة فقد كانت في 13 سبتمبر/ أيلول 2021 حيث استقبل الرئيس بوتين الرئيس الأسد في موسكو. وبين الزيارة الثالثة والرابعة زار الرئيس بوتين دمشق للمرة الأولى واستقبله الرئيس الأسد في 7 يناير/ كانون الثاني 2020.
وبالطبع تختلف هذه الزيارة عن الزيارات الأخرى فقد جاءت بعد كسر الحصار المفروض على سورية. وبعد النجاح المشترك بين سورية والحليف الروسي في تجفيف منابع الإرهاب على الأرض السورية. وتأتي الزيارة بعد بروز ملامح الخريطة الدولية الجديدة متعددة الأقطاب. فلم تعد الولايات المتحدة قائدة العدوان الكوني على سورية قطباً أوحد كما كانت في العام 2011. بل برزت إلى جانبها على الساحة الدولية روسيا والصين. وأصبح إقليم الشرق العربي في حاجة لإعادة رسم خرائطه من جديد وإنهاء أزماته المتراكمة. وبنجاح الصين الأسبوع الماضي في عقد اتفاق تاريخي لإنهاء حالة الصراع بين السعودية وإيران تكون قد برزت في الآفاق ملامح إنهاء الأزمة اليمنية والعراقية واللبنانية وبالطبع السورية. تلك الأزمات التي صنعها العدو الأمريكي تحت مظلة الصراع السني ـ الشيعي. حيث استخدمت هذه الورقة المذهبية البغيضة لإشعال النيران داخل هذه المجتمعات. وفي هذا الإطار جاءت زيارة الرئيس الأسد لموسكو ولقاء الرئيس بوتين وذلك للمشاركة في رسم خارطة النظام الجديد للمنطقة. والتنسيق لعقد مصالحة بين دمشق وأنقرة والتي تسعى موسكو لتسريعها عبر قمة محتملة بين الرئيس الأسد والرئيس التركي أردوغان. وفي هذا السياق أكد الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف “أنّ العلاقات بين تركيا وسورية ستتأثر بالتأكيد بشكل أو بآخر بالمناقشات بين بوتين والأسد”. ومن المقرر أن يجتمع دبلوماسيون من روسيا وتركيا وسورية وإيران هذا الأسبوع في موسكو من أجل التحضير لاجتماع وزراء خارجية بلادهم قبل القمة الرئاسية المحتملة. وكان قد سبق ذلك كله لقاء وزيري الدفاع التركي والسوري في موسكو مع نظيرهما الروسي للمرة الأولى منذ 2011 وذلك في نهاية ديسمبر/ أيلول الماضي. وبعد هذا اللقاء أعرب الرئيس التركي عدة مرات استعداده لمقابلة الرئيس الأسد لإصلاح العلاقات. وأكد أنه “لا يمكن أن تكون هناك ضغينة في السياسة”. ومن هنا يأتي التنسيق الروسي لإغلاق أحد أهمّ بوابات العدوان على سورية.
وفي ما يتعلق بتوقيت الزيارة فهي تشكل رمزية شديدة حيث أن 15 مارس/ آذار هو ذكرى بدء الحرب الكونية على سورية والتي بدأت في 15 مارس/ آذار 2011 . قبل 12 عام من الآن وهو ما يعني أن الرئيس الأسد والوفد الحكومي رفيع المستوى الممثل الشرعي للشعب العربي السوري قد جاء إلى موسكو للاحتفال الرسمي بالنصر بمشاركة الحليف الروسي الذي وقف بجوار سورية في هذه الحرب الكونية وتمكن عبر سنوات العدوان من اجهاض كل المحاولات التي كانت تستهدف اسقاط الدولة السورية. وفي هذا السياق أكد السيناتور قسطنطين كوستاتشوف نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي “أن زيارة الرئيس الأسد إلى العاصمة الروسية موسكو ومباحثاته مع الرئيس بوتين تنطوي على أهمية كبيرة جدا بما يخدم تطوير وتعزيز العلاقات بين البلدين في جميع المجالات. وأن الشك لم يساور روسيا ولو ليوم واحد فقط في صواب خيارها في التعاون مع سورية والدفاع عن سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها. ويجب أن يستمر التعاون الروسي ـ السوري يداً بيد وكتفاً بكتف للتصدي لمحاولات الإصرار على بقاء العالم أحادي القطب. لقد سقطت المزاعم الغربية بإدعاءات محاربة الإرهاب في سورية فقد كانت مزاعم كاذبة من أجل انتهاك سيادة سورية وتمزيق وحدة أراضيها. إننا نتذكر الآن تصريحات القادة الغربيين بدءاً من الرؤساء الأمريكيين وصولاً للقادة الأوروبيين الذين كانوا يتنبؤون بانهيار الدولة السورية و(هزيمة) قيادتها السياسية خلال اسابيع معدودة. ولكن ها قد مرت عشر سنوات وأكثر على ما يسمى (بالربيع العربي) والرئيس الأسد مازال يقود بلاده بنجاح بينما لم يبقَ من أولئك القادة الغربيين سوى ذكريات مريرة عن تصريحاتهم المهووسة إذ أن التاريخ شطبهم من صفحاته”. لذلك نؤكد أنّ زيارة الرئيس الأسد اليوم لموسكو تأتي على أعتاب مرحلة جديدة لإعادة بناء سورية في إطار نظام عالمي وإقليمي جديد تلعب فيه سورية دوراً محورياً مع الحليف الروسي الصاعد بقوة لرسم الخرائط الجديدة في المنطقة والعالم. ولا عزاء لكل من حلم يوماً بسقوط سورية ورحيل الأسد. اللهم بلغت اللهم فاشهد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى