أولى

من نصدّق…؟

‭}‬ سعادة مصطفى أرشيد*
كما هو متوقع، عُقد لقاء شرم الشيخ (العقبة 2)، وفي حين أكد الناطقون باسم الطرف (الإسرائيلي) أنّ اللقاء سيكون له في مظهره وجوهره طابع ووظيفة أمنية تهدف إلى مواجهة العنف الذي يجري في شمال الضفة الغربية، وخاصة ما تقوم به كتائب مخيم جنين وقراها وعرين أسود نابلس، إلا أنّ رئيس الوفد الفلسطيني، وهو الرجل الثاني في الهرم القيادي باعتباره أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية، فقد قال: إننا ذاهبون لشرم الشيخ للدفاع عن حقوق شعبنا في الحرية والاستقلال، ومن أجل وقف العدوان (الإسرائيلي) المتواصل الذي يستبيح الدم الفلسطيني؛ أما إثر انتهاء اللقاء فقد أشاد الفريقان بنتائجه، القيادي الفلسطيني وصفه على أنه جاء على شكل اشتباك أو معركة مع الوفد الإسرائيلي، فقال: لقد تمسكنا بموقفنا الثابت الرافض للخوض في أيّ مسار أمني أو اقتصادي قبل الوصول إلى اتفاق سياسي يلزم (إسرائيل) بوقف الإجراءات الأحادية، ولكن الطرف الإسرائيلي أشاد أيضاً بنتائج اللقاء باعتباره حقق المطلوب منه (إسرائيلياً)، فمن نصدّق؟
الطريقة المثلى للإجابة على هذا التساؤل هي في قراءة البيان الختامي الصادر عن وزارة الخارجية المصرية التي نظمت اللقاء وسجلت محاضره وصاغت قراراته.
جاء في البيان الختامي أنّ الطرفين قد التزما بتعزيز الأمن والاستقرار للفلسطينيين و(الإسرائيليين)، وعلى الحيلولة دون مزيد من العنف وعلى فتح آفاق سياسية، ويمكن التساؤل: هل يمكن مقارنة الطرف المعتدي بالطرف المعتدى عليه؟ وبالتالي فإنّ الأمن والاستقرار هو للطرفين المعتدي والمعتدى عليه وكيف أنّ الأمن وتعزيزه يسبقان الآفاق السياسية التي أتت بصيغة ضبابية.
تمّ الاتفاق على أن توقف (إسرائيل) مناقشة ايّ وحدات استيطانية جديده لمدة أربعة شهور (نص غامض وضبابي) وتمتنع عن إصدار رخص استيطانية لستة شهور، وهذا إنْ صدق أو لم يصدق ولن يصدق، لا يعني أكثر من إجازة أو هدنة قصيرة في معركة مستمرة وغير متكافئة، أما بما يتعلق بالمصداقية ففي يوم اللقاء قامت الحكومة (الإسرائيلية) بالسماح للمستوطنين بالعودة إلى أربع مستوطنات تمّ إخلاؤها وتسليمها للسلطة الفلسطينية عام 2005، اثنتان منها تعتليان مدينة جنين وثالثة ورابعة قادرتان على قطع الطريق الرئيس بين جنين ونابلس.
أكد البيان على حق السلطة الفلسطينية في السيادة الأمنية على مناطق (أ) كما وردت في خرائط اتفاق أوسلو، ولكن إن هي إلا ساعات وقبل أن يعود الوفد إلى رام الله كان الجيش (الإسرائيلي) يتجوّل داخل مدينة جنين وفي شرق مدينة نابلس، في قلب المنطقة (أ) ولا يزال حتى طباعة هذا المقال.
أهمّ ما جاء في البيان هو في أنّ الطرفين اتفقا على استحداث آلية مشتركة للتصدّي للعنف والتحريض والتصريحات التي تهدف إلى إشعال الموقف، وهنا يجدر التوقف قليلاً عند تصريحات الوزير القويّ في الحكومة الشريكة في اتفاق شرم الشيخ بتسيئيل سموترتش الذي يطالب بمحو بلدة حوارة جنوب شرق نابلس، والذي ألقى خطاباً في باريس تزامن تقريباً مع لقاء شرم الشيخ، نقتبس منه القليل: «أن ليس هناك شعب فلسطيني، وأن الشعب الفلسطيني أكذوبة تمّ اختراعها قبل أقلّ من مئة عام بهدف التصدّي للمشروع الصهيوني وللحيلولة دون عودة أصحاب الأرض الشرعيين (اليهود) إلى أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم»، وأضاف صارخاً: «أريد أن يسمع ذلك من في قصر الأليزية ومن في البيت الأبيض»، بهذا ردّ سموترتش على آلية الحدّ من العنف ومن التصريحات التي تهدف لإشعال الموقف، وإذا كان هذا ردّه فأفضل أن يأتي الردّ عليه من قبل أبناء جلدته (إنْ توافرت مثل هذه الجلدة المشتركة) الأول المفكر والفيلسوف اليهودي آرثر كوستلر الذي نشر نظريته حول العرق اليهودي عام 1976 في كتاب القبيلة الثالثة عشرة، يرى كوستلر أنّ اليهود الأشكناز ـ الذين يعود سموترتش بنسبه لهم ـ لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بيعقوب وأبنائه الإثني عشر (الأسباط) الذين كوّنوا لاحقاً إثنتي عشرة قبيلة، وأنهم من شعب وثني كان يعيش على ضفاف بحر قزوين (الخزر) وأنهم تحوّلوا إلى اليهودية قبل حوالي أحد عشر قرناً.
شلومو ساند أحد أهمّ المؤرّخين الجدد في (إسرائيل) يرى أنّ القومية اليهودية هي قومية ملفقة ولا أساس لها، وإنما اخترعها نظرياً يهود ألمانيا الذين شاهدوا الوحدة القومية الألمانية التي قادتها بروسيا ومستشارها بسمارك في القرن التاسع عشر الذي عُرف بعصر القوميات. يرى ساند أنّ اليهود الحاليين لا تجمعهم وحدة سلالية أو جدّ موهوم مشترك، لا بل ولا علاقة لهم بيعقوب وأسباطه أو باليهود الذين عاشوا سابقاً على هذه الأرض قبل ألفي سنة والذين تحوّل قسم منهم للمسيحية في العهد الروماني، وتحوّل قسم آخر للإسلام في العصر الإسلامي ولم يبق على يهوديته إلا قليل منهم. شلومو ساند يرى أنّ عملية تمّت على يد الصهيونية باختراع الشعب اليهودي وهذه العبارة هي عنوان كتابه الأول في ثلاثيته، التي يعنون جزءها الثاني: «اختراع أرض إسرائيل»، وجزءها الثالث: «كيف لم أعد يهودياً».
عند صدور هذا المقال يكون قد بدأ شهر الصيام، ورابط الفلسطينيون في باحات المسجد الأقصى، الذي أكد البيان على احترامه وعلى دور الأردن التاريخي ثم الخاص في هذا المكان المقدس، وأضاف على ضرورة الالتزام بالحفاظ على الوضع التاريخي الراهن في الأماكن المقدسة دون تغيير قولاً وفعلاً، فهل دخول المستوطنين اليوميّ الى باحات الحرم القدسي وأداؤهم شعائرهم التلمودية يمثل استمراراً لوضع راهن؟ المستوطنون من قبل الاتفاق وبعده لا يحترمون المكان ولا يعترفون بحرمته ويقتحمونه بحماية شرطتهم لأداء شعائرهم التلمودية كلّ يوم وبما لا يتفق مع شرم الشيخ وما تحقق به من إنجاز فلسطيني.
اليوم ومع بداية الشهر يعلن آلاف الأسرى في سجون الاحتلال إضراباً مفتوحاً، هؤلاء لم يدخلوا السجن بجريمة جنائية أو أعمال احتيال ماليّ، وإنما بسبب نضالهم ضدّ الاحتلال وبموجب انتماءات تنظيمية شاركت قياداتها في شرم الشيخ، فماذا فعلت من أجلهم؟
من نصدّق…؟
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى