أولى

الصين ـ أميركا صراع قمة أم حرب باردة في عالم متعدّد الأقطاب؟

‭}‬ نمر أبي ديب
رسمت الصين الشعبية بحبر الاتفاق «السعودي الإيراني» أكثر من علامة فارقة في السياسة الإقليمية الدولية من جهة والحضور الدبلوماسي الاستراتيجي الفاعل والمؤثر في النظام العالمي الجديد، المتعدّد الأقطاب والمركزيات المالية لاحقاً، ضمن ثلاثية دولية دخلتها الصين الشعبية من الباب الإقليمي العريض إلى جانب روسيا، والولايات المتحدة الأميركية، وسط انكفاء سياسي واضح تعيشه الأخيرة في مجمل مساحات النفوذ السياسي والعسكري في المنطقة.
يُضاف إلى ذلك ضبابية المشهد الإقليمي الذي اكتنف العلاقات الثنائية، التركية ـ الأميركية، والسعودية ـ الأميركية، بالرغم من علامات الاستفهام الكبيرة التي تركتها وما زالت صفقة طائرات «بوينغ 787 دريملاينر» التي تمثل مكسباً كبيراً لشركة بوينغ الأميركية وخامس أكبر طلبية تجارية من حيث القيمة في تاريخها، وصولاً إلى الحرب في أوكرانيا وتأثيرها المباشر على أوروبا مجتمعة وأيضاً على الصراع التاريخ بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية في مشهد عالمي استثنائي، عكس بكثير من الدقة الفارق الاستراتيجي ما بين المنطلقات الأميركية، التي قام عليها النظام العالمي القديم، والاندفاعة الصينية، «نبض العالم الجديد» الذي لم تكتمل فصوله الإقليمية بعد، ولا حتى الدولية المؤسسة والضامنة لـ خروج عالمي آمن، من عنق زجاجة التحوّلات الكبيرة، والمساهمة أيضاً في إنضاج ظروف التحرر الاستراتيجي من مفاعيل الحروب السابقة العالمية منها والموضِعية، التي رسمت بمؤثراتها الميدانية ونتائجها الاقتصادية العابرة للزمن والجغرافيا السياسية، الإطار العام للأحادية الدولية، التي بدأت من خلالها الولايات المتحدة الأميركية في صيف 2008 مع اجتياح جورجيا رحلة «السقوط الاستراتيجي» والتهاوي عن العرش العالمي في خطوة استباقية أبلغت بها ومن خلالها روسيا كافة المعنيين قرار الانتقال الفعلي من ميادين الحروب الباردة، إلى زمن المواجهات العسكرية الشاملة ضمن فاتحة استثنائية يمكن التعاطي معها على قاعدة «حرب أوروبا الأولى» في القرن الحادي والعشرين.
لا شك أنّ الكلام الصادر عن البيت الأبيض الذي أملت من خلاله السياسة الأميركية حصول تواصل مباشر بين الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (كي يسمع الأول حقيقة الموقف ولا يكتفي بوجهة النظر الروسية)، اعتراف أميركي مبكّر بمركزية «الدور الصيني في البنية السياسية أقله، للنظام العالمي الجديد» و»نقطة تحوّل أميركي» بلغت مع تنامي النفوذ الصيني، والحضور المؤثر في سياسات المنطقة والعالم، مراحل متقدّمة من الاستنفار السياسي الخجول وحتى العسكري، بالتزامن مع خارطة دولية جديدة يتمّ إعدادها المبدئي وصياغتها على صفيح «روسي أوكراني ساخن»، وهذا يضع الجميع دون استثناء على مسار اللا عودة، حتى الطوعية في مراحل لا تحتمل فيها الثلاثية الدولية المتمثلة في روسيا الاتحادية، الصين الشعبية، والولايات المتحدة الأميركية مجرد المراوحة السياسية، ما يؤكد اليوم على «خطوات إلزامية آتية»، وخيارات استراتيجية صعبة، على الولايات المتحدة الأميركية تحمّل نتائجها السياسية في الدرجة الأولى، والتعاطي معها بما يراعي في حدّه الأدنى سقف الاعتراف بالدور الصيني، الذي عكسته خطوات بكين الثابتة والمدروسة على الساحتين «الإقليمية»، والواقع العسكري الإقتصادي الذي فرضته روسيا نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية ومخلفاتها الأوروبية المتمثلة اليوم في «حرب الطاقة» واستراتيجية حصار الغاز، وهنا يجدر التساؤل عن أبعاد المشهد العالمي، عن جملة الخطوات العملية التي يمكن أن تنتهجها الولايات المتحدة الأميركية في مراحل العودة الاستراتيجية إلى السباق العالمي، بعد انسحابها الكامل من أفغانستان وسقوطها المدوّي على كامل المساحة الأوروبية نتيجة أزماتها المالية المستمرة وغياب الجهوزية التي تتطلبها سياسة سدّ الثغرات وتأمين البدائل العالمية، وحتى الأوروبية.
ما يجري اليوم على الساحة العالمية عكس بشكل كامل حجم التحديات السياسية، وحتى العسكرية، المستترة برداء التحوّلات الدولية من جهة، وفقدان القوى المعنية إمكانيات الحسم الاستراتيجي، وسط مخاوف وجودية وتساؤلات سياسية تناولت في العديد من جوانبها سبل المواجهة الأميركية في مراحل فقدان السيطرة والكثير من الخيارات السياسية.
السؤال هل تمتلك الولايات المتحدة الأميركية اليوم مقومات الدخول المربح في حرب «دبلوماسية باردة» مع الصين لتحقيق أهداف التعادل؟ أم بات الأميركي أقرب إلى ما هو أسهل، لا بل إلى ما هو أسرع في دخول الشراكة الإقليمية مع الصين الشعبية، والمقصود هنا «الملف النووي الإيراني»؟
انطلاقاً مما تقدّم تعيش الولايات المتحدة اليوم لحظات استثنائية مرفقة بسياسات نقدية غير مستقرة، وانقسامات داخلية تعتبر الأولى من نوعها في التاريخ الأميركي الحديث ما قد يسهم في وضع الاتفاق النووي مع طهران على طاولة الخيارات المحدودة ضمن معادلة شبه حتمية، نظراً لعدم توفر البدائل، أو القدرة على اجتراح المعجزات السياسية في هذه المرحلة.
الانتقال الأميركي من استراتيجية «الأمن العالمي» إلى أولوية «أمن المحيطين الأطلسي والهادي» عكس بكثير من الدقة مساحات الفراغ العالمي التي خلفها «الانكفاء الأميركي» في مراحل الصياغة الأولى للنظام العالمي الجديد، مع ما يمكن أن يمثله «التمدّد الصيني»، أو قد ينجزه على مستوى النفوذ العالمي في المراحل الحالية، وأيضاً في السنوات المقبلة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى