مقالات وآراء

الحلّ بإلغاء الطائفية

‭}‬ عمر عبد القادر غندور*
بات مملاً أن نعاود الحديث عن أزماتنا ومتاعبنا وتخلي العالم عنا، مكرّرين ما نعانيه على كلّ صعيد، لا بل كلّ يوم من سيّئ الى أسوأ، وكأنّ العالم تخلى عنا، وقد تخلى بالفعل! ولم يكن في بلدنا دولة ولا حكومة لا اليوم ولا بالأمس!
ونرى من المفيد العودة الى البدايات التي نال فيها لبنان استقلاله في 22 تشرين الثاني 1943، ولم يكتمل هذا الاستقلال إلا بالانسحاب التام للقوات الفرنسية من لبنان في نهاية كانون الأول من العام 1946.
يقول التاريخ انّ بعض قادة الموارنة في لبنان طلبوا الحماية من فرنسا على خلفية مجازر 1860 فتحرك ستة آلاف جندي ونزلوا بالقرب من بيروت، ولم يكن أمام السلطان العثماني من خيار سوى الموافقة على الإنزال الفرنسي ثم كان التفاهم بين فرنسا وبريطانيا وروسيا والنمسا وبروسيا على إقامة نظام جديد في جبل لبنان، وتفاهم العثمانيون مع هذه الدول على نظام جديد في جبل لبنان في أعقاب لجنة ترأسها وزير الخارجية العثماني محمد فؤاد باشا.
ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى أعلن الشريف حسين بن علي قيام الدولة العربية التي تضمّ البلاد العربية المحررة من العثمانيين، وحسب اتفاقيات حسين ـ مكماهون كان على المنطقة التي تضمّ لبنان الحالي ان تتبع المملكة العربية الجديدة، ولكن فرنسا في نفس الوقت انتُدبت لحكم لبنان حسب اتفاقية سايكس بيكو، وطُلب من شعوب المنطقة تحديد مصيرهم في ما بينهم، فطلب بعض قادة الموارنة تأسيس دولة مستقلة بحماية فرنسا، وفي المقابل رفضت أكثرية المسلمين (سنة وشيعة) الدويلة والكيان اللبناني لأنّ أمنيتهم بعد الانسلاخ عن الدولة العثمانية كانت الانضمام الى دولة عربية برئاسة الأمير فيصل تضمّ سورية ضمن دولة يحكمها الانتداب الأوروبي الأجنبي، ولكن أعلن قيام لبنان الكبير بعد إضافة الأقضية الأربعة إلى المناطق التي عُرفت تاريخياً بمتصرفية جبل لبنان .
وأقرّ مجلس الممثلين الدستور الجديد لهذه الدولة وأعلن قيام الجمهورية اللبنانية.
وعلى وقع المفهوم الطائفي قام لبنان برعاية غير أبنائه، وعلى مدى عقود تجذر المفهوم الطائفي في المجتمع والنظام وتحوّلت الطائفية «ضماناً» لأتباعها ولتمثيلهم السياسي الطوائفي التوافقي غير المنسجم مع مفهوم الدولة التي تحكمها الكيانات الطوائفية وهي المكوّن الأساسي للمجتمع اللبناني، فتجذّرت الطائفية في مؤسّسات الدولة وفي توزيع الوظائف وهي حجر الأساس في نظام دولتنا «العلية» بإشراف «المقاطعجية» في جميع الطوائف وفرضوا احتكارهم التمثيلي الذي بات توريثاً لأبنائهم وجماعتهم، يمتلكون المراكز والمنافع حتى بات الشعب اللبناني اليوم في حالة استحضار غير متناهٍ.
ولذلك لا نستغرب ما آلت إليه أوضاعنا، وانهارت الدولة وتعطلت الإدارات ونُهبت أموال المودعين في المصارف، وعبثاً تحاول الطبقة السياسية لملمة الخراب دون ان يتخلى أركانها عن أنانيتهم وتحزباتهم، وهم حتى الآن عطّلوا 11 جلسة لانتخاب رئيس جمهورية جديد!
ولأنّ لبنان لا يملك زمام أمره، ولا يزال ينتظر الآخرين دون أمل ورجاء، وتبيّن من العرض التاريخي لقيام لبنان انّ الدول الخمس الأوروبية هي التي تكرّمت علينا بدولة قامت على أسس طائفية ولم تزل، لنفوز بوطن مركب يشبه كلّ شي إلا «الدولة» ونتذكر في هذه العجالة ما قاله الصحافي الجريء علي يوسف رافضاً مقولة انّ لبنان «وطن الرسالة» او «وطن الرحابنة»!
وقد تربى لبنان على كذبة «لبنان يا قطعة سما» بينما هو وكما نعيش اليوم في ركن سحيق من جهنم في الدرك الأسفل من النار!
وقد يكون لبنان الرحابنة وفيروز ووديع الصافي وزكي ناصيف ونصري شمس الدين وغيرهم ولكن على صورة ما أبدعه الله تعالى من جمال، وهو غير ذلك في «دولته» الخربانة!
خلاصة القول، انّ لبنان اليوم أمام فرصة قد تكون او لا تكون، تتوفر في الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية يعي انّ لبنان لن تقوم له قائمة بنظامه الطائفي المتحلل، ولا بدّ من قيام لبنان جديد ومعافى في نظامه الإداري الذي يقوم على إلغاء الطائفية السياسية وانتخاب برلمان من خارج القيد الطائفي، لتكوين سلطة ونظام سياسي من أصحاب المؤهّلات العلمية والخبرة والنزاهة والكفاءة بغضّ النظر عن الانتماء الديني والمذهبي.
وبتحقيق هذه العناوين يمكن للبنان ان يقوم من جديد، ومن دونها العودة الى ما نحن فيه ونشكو منه.
ونرجو ان لا نكون من «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) الكهف»

*رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى