أخيرة

دبوس

 

أنت وما تأكل

من الناحية الدينية، وتبعاً للمعايير الربّانية، تنقسم المأكولات إلى قسمين، الطيّبات، والغير طيّبات، وفي واقع الحال، فإنّ الفلسفات الوضعية تبدي أيضاً من الأهمية لقضية البناء الفيزيائي والنفسي والروحي، وعلاقة ذلك بطبيعة ما يأكله الإنسان…
في النظرة الربّانية لمسألة الطعام، فإنّ الطيبات منه تعزّز القدرات الخيّرة، وهي بالتراكم تجعل الإنسان أكثر نزوعاً للخير وعمل الصالحات، الإنسان وعاء ينضح في الكيفية تبعاً لما يتواجد في جوفه، ليس من باب الصدفة انّ طعام الجنة هو في أغلبه، انْ لم يكن جلّه، من الفواكه ولحم الطيور، وكلاهما في دنيانا من الأكثر ابتعاداً عن مركز الكرة الأرضية، وليس مصادفة أيضاً أنه حينما قذف ببني «إسرائيل» من مصر الى أعماق سيناء، طفقوا يطالبون موسى بالقثّاء والفوم والبصل والعدس، وهي في مجملها نباتات تنمو إما في باطن الأرض، او على سطحها مباشرة، أيّ أنها من الناحية الميكانيكية، أكثر قرباً إلى مركز الكرة الأرضية من تلك التي تنمو على الأغصان، وفي أعالي الأشجار…
وإذا ما تطلّعنا في منطقة أخرى حينما تحدث الله هكذا، «فقال لها وللأرض ائتينا طوعاً او كرهاً»، فإنّ هنالك من الشيء ما ينبعث طوعاً، وهنالك ما ينبعث كرهاً، فأما الذي ينبعث طوعاً، تجده بمحض الإرادة مبتعداً أكثر عن مركز الشيء، وأما الذي يحاول ان يتشبّث في منطقة التراكم، فإنك تجده أكثر اقتراباً من مركز الشيء…
وأميل الى الاعتقاد بأنّ المادة التي تحمل في ذاتها نزعة ذاتية نحو الابتعاد الطوعي عن المركز، تضفي حين تناولها من قبل الإنسان نفس الصفة في التسامي ونكران الذات، ومقدرة أكبر على مقاتلة الجذب المركزي، ونبذ التكدّس والاكتناز، ومن ثم تضاؤل النزعة الأنانية، وتفاقم الرغبة في العطاء والبذل، وفي النقيض من ذلك، فإنّ حشو الذات بتلك الأنماط من الطعام التي تحافظ على حالة الاقتراب من المركز، ولا تغادر ذلك إلّا كرهاً، يعزز من صفات حبّ التملّك والاكتناز والرغبة في الاستحواذ.
وبالمجمل الأنانية، وهي أمّ الرذائل، ومبعث كلّ الخطايا، لا أستبعد أبداً ان يكون تحريم لحم الخنزير هو بسبب شدّة تكدّسه وتراصّه، بما يعزّز في حالة تناوله، الجنوح الإنساني الى الغرائزية والرغائبية والشهوانية وحبّ إغراق الذات في الملذات، ناهيك عن تضخّم الأنا، وتفاقم الأنانية وحب التملك.
فلنأكل كثيراً من الأعناب والفاكهة ولحم الطير، انْ شئنا الاندفاع روحياً نحو الله…
سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى