أولى

نتنياهو والحلفاء والمأزق

تقع حكومة بنيامين نتنياهو التي يشكل تحالف الليكود وايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش عمودها الفقري بين ثلاثة محاور جذب متعاكسة. فهي من جهة محكومة بسقف شعارات وبرامج تجمّعت على أساسها حولها شرائح المستوطنين المتطرفين والجماعات الدينية المتشددة. وجوهر هذه الشعارات يرتبط عضوياً بتمرير التعديلات القضائية، لأن تحويل أي منها إلى سياسة رسمية وخطوات إجرائية يصطدم بحق النقض الذي تملكه المؤسسة القضائية، خصوصاً ما يتصل من هذه الإجراءات ببناء ميليشيا رديفة للمؤسسة العسكرية والأمنية، والسير بإجراءات تصعيدية بوجه الفلسطينيين تؤدي الى تصعيد المواجهة في كل فلسطين المحتلة وتهدّد بالانفجار الكبير.
من جهة ثانية تواجه الحكومة بصورة واضحة مخاطر الاصطدام الداخلي بمعارضة نشطة يقف وراءها الجيش والمؤسسات الأمنية ونجحت بتظهير حضور شعبي فشل نتنياهو وحلفاؤه بخوض المنافسة في الحشود معها، وتقف واشنطن ودول الغرب من موقع الخشية من خطر الانفجار الكبير في المنطقة وراء الضغوط الداخلية للمعارضة لمنع نتنياهو وحلفائه من المضي قدماً بالتعديلات القضائية، وليس في الأفق ما يمكن لنتنياهو والحلفاء فعله لهزيمة هذا الحلف بين المعارضة والغرب والجيش، أو تفكيك أطرافه واحتواء بعضها، حيث تفقد واشنطن الحماسة الفعلية للحديث عن الشراكة في خيار حرب على إيران، ويفقد مسار التطبيع وهجه، كعنوان لشراكة أميركية إسرائيلية مع التفاهم السعودي الإيراني برعاية الصين، وقادة الجيش وكبار ضباطه ليسوا بوارد صفقة مع نتنياهو يعلمون أنها تهميش للمؤسسة العسكرية ومخاطرة بنقل قرار الحرب من يدها إلى أيدي مجموعة من الحمقى الذين قد يفتحون مواجهة تهدّد بقاء الكيان وتطرح مصيره على الطاولة.
من جهة ثالثة تواجه حكومة نتنياهو تصاعداً في التحديات الأمنية الاستراتيجية. فالوضع في الضفة الغربية والقدس خرج عن السيطرة، وثبت لا جدوى الرهان في مواجهته على النمط التقليدي للملاحقة والعمل الاستباقي والتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، ويتحوّل هذا التحدي الى مصدر قوة وتحفيز لقوى المقاومة في غزة للاستعداد في مرحلة مقبلة لمعركة مشابهة لمعركة سيف القدس، لكن وفقاً لخطة تتيح إنهاءها بمكاسب استراتيجية، خصوصاً في القدس وغزة، وبالتوازي يتابع محور المقاومة الاستعداد والتحضير لمثل هذه الجولة والتهيؤ لفرضية الدخول على خطها لفرض معادلات جديدة، تتصل بتشجيع خيار زوال الكيان وطرح مأزقه الوجوديّ على بساط البحث.
النتيجة الطبيعية لفعل هذه العوامل المتعاكسة التي تغلق يوماً بعد يوم فرص النجاة بالتحالف من خطر الهزيمة، هي بدء تفكك التحالف، والأكثر ترجيحاً للقفز من القارب هو نتنياهو الذي لا يمانع بصفقة لترؤس حكومة بديلة عن حكومته الحالية يتشارك فيها مع خصومه وينال عبرها ضمانات بعدم الملاحقة، من الجيش والقضاء والأميركيين، مقابل الاصطفاف تحت سقوف جديدة لإدارة النزاعات والمواجهات بعقلانية تأخذ بعين الاعتبار المأزق العام للكيان وللمشروع الأميركي في العالم والمنطقة خصوصاً، لكن يبدو أن ذلك يحتاج الى جولات أخرى من اختبارات القوة لا تصل حد الانفجار الكبير، سواء في مواجهة المعارضة أو في مواجهة المقاومة، أو شدّ الحبال مع واشنطن والجيش، لترصيد الشروط والشروط المعاكسة للصفقة الجديدة، وإلا فالانتخابات المبكرة سوف تكون خياراً واقعياً مع انسحاب عدد من النواب من الائتلاف الحكومي لا يصعب توفيرهم على خصوم الحكومة الداخليين والخارجيين من داخل الليكود وخارجه عند الضرورة.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى