أولى

السودان في مهبّ ريح الحرب الأهلية… والتقسيم

‭}‬ سارة السهيل
استيقظ الشعب السوداني في الخرطوم صبيحة يوم 15 نيسان (ابريل) باندلاع حرب بين قوات الجيش الوطني السوداني وقوات الدعم السريع، التي أنشأها الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير عام 2013، للقتال في دارفور المعتمدة على ميليشيات الجنجويد، ويقودها الجنرال محمد حمدان (حميدتي)، لم يكن أمراً مستغرباً من وجهة نظر المحللين السياسيين، الذين توقعوا حدوثها وتوسع دائرة عنفها وتحوّلها الى حرب أهلية ثالثة.
السودان يعيش فوق صفيح ساخن منذ فتحت القوى العظمى عينيها على مساحته الشاسعة وخيراته من الأرض الزراعية الخصبة والذهب والمعادن وموقعه الاستراتيجي على البحر الأحمر وباب المندب، وكانت أولى نجاحات القوى العظمى بتمزيق السودان من خلال انفصال الجنوب عن الشمال و»استقلاله».
واليوم، فإنّ ما يجري هو استكمال لدائرة تقزيم هذا البلد وتقسيمه بالحرب الأهلية مجدداً عبر الصراع على السلطة بين القوتين العسكريتين فيه، وكلّ طرف منهما له اجندته ومصالحه الخاصة وعلاقاته بالقوى الدولية والإقليمية، التي لكلّ منها مصالحها الخاصة في الاستفادة ونهب خيرات السودان، بينما أمن الشعب السوداني واستقراره على أرضه بات في المجهول، بدليل نزوح الكثير من السودانيين الى مصر ودول الجوار بعد اندلاع الحرب الأخيرة بالعاصمة الخرطوم.
ورغم التحالف بين حميدتي وعبد الفتاح البرهان للإطاحة بنظام حكم عمر البشير عام 2019، وضدّ التيار المدني ومنع الأحزاب من الاستيلاء على السلطة 2021، فإنهما سرعان ما اختلفا على المصالح والسلطة حيث أصرّ حميدتي على تولي منصب وزير الدفاع في الحكومة الجديدة، ومن ثم رفض التوقيع على الاتفاق الإطاري الخاص بترتيبات استعادة الحكم المدني والديمقراطية لأنه يقلّص من سلطاته في البلاد.
بيدَ أنّ الصراع العسكري الدائر حالياً بالسودان بين القوتين العسكريتين لا ينطلق فقط من الرغبة في الاستئثار بالحكم السياسي والنفوذ العسكري، لكن الأهمّ هو السيطرة على خيرات السودان من الذهب والنفط والنحاس واليورانيوم وغيرها، مما جعل منها مطمعاً لقوى دولية وإقليمية تسعى للاستفادة من خيراتها ولأجل ذلك تتحالف مع إحدى القيادتين العسكريتين المتصارعتين والمتحاربتين، وهناك بعض القوى العربية والدولية تدعم حميدتي للفوز بأكبر حصة من التجارة السودانية وامتيازات الموانئ، فيما تدعم قوىً أخرى البرهان لاستعادة تيار «الاخوان» لصدارة المشهد بالبلاد مجدداً، بينما يصبح الشعب السوداني وحده الخاسر في صراعات المكاسب السياسية والمادية للمتصارعين على السلطة.
الخسائر العربية في هذا الصراع ربما تكون أكبر بكثير من خسارة الشعب السوداني نفسه، فـ مصر تخسر كثيراً إذا ما تمزّق السودان فهو ظهيرها، بل انّ الهدف الأكبر من تمزيق السودان هو مصر، واستمرار هذه الحرب يعني انشغال السودان بها عن سرعة التعاون مع مصر لوقف الملء الرابع لسدّ النهضة (سدّ الخراب) الذي يعطّش ويجوّع الشعب المصري وايضاً السوداني.
للأسف فإنّ دائرة السوء التي بدأت بالعراق بتدمير قواه الاقتصادية والسياسية والعسكرية وانتقال التمزّق الى سورية وهما من أكبر القوى العربية، فإنّ الغنيمة الكبرى هي مصر، فإذا فلت زمام الأمر ـ لا قدر الله ـ وانتقل الانفلات الأمني والسياسي الى دول الجوار، فإنّ العقد سينفرط ـ لا محالة ـ ويشمل باقي الدول العربية التي يدعم بعضها طرفي النزاع بالسودان.
الكارثة ستعمّ باقي الدول العربية وقد تؤدّي الى هلاكها جميعاً، خاصة أنّ الكيان الصهيوني يقف خلف الستار يحرّك الأحداث في اثيوبيا والسودان بطرق مختلفة ومشبوهة.
إنّ كل المؤامرات التي تحاك بالسودان هي جزء أصيل من مخططات «سايكس بيكو» الجديدة التي يُراد منها تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد لإعادة تقسيم الدول العربية الى دويلات مفتتة لا طائل منها.
لا شك أيضاً انّ الاحتراب السوداني الجاري هو جزء من حروب الوكالة الجارية في إطار الحرب العالمية الثالثة التي انطلقت بين روسيا وأوكرانيا، وكبّدت شعوب ودول العالم خسائر اقتصادية فادحة وأدّت الى انهيار البنوك العالمية،
فالدول الغربية خاصة أميركا وبريطانيا تخشيان من إمكانية إنشاء قاعدة روسية في أمّ درمان على البحر الأحمر، وهو ما لا يعارضه قادة جيش السودان، من ثم فإنّ مصلحة الغرب تكمن في وحدة الجيش السوادني للحيلولة دون إقامة قاعدة عسكرية في أم درمان.
والخلاصة انّ السودان يواجه مؤامرة دولية تتورّط فيها العديد من الأطراف الدولية والعربية والإقليمية لدفعها الى الحرب الأهلية لتقسيم السودان، والبقية تأتي، وهذا يعني انّ الوجود العربي نفسه بات مهدّداً، في الوقت الذي تقف فيه جامعة الدول العربية كعادتها عاجزة عن التدخل وتكتفي ببيانات هزيلة من شأن القلق والانزعاج للاحتراب السوداني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى