أولى

قمة الأسد.. وحتمية الوحدة العربية!!

‭}‬ د. محمد سيّد أحمد
ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن حتمية الوحدة العربية، ولن تكون الأخيرة، وما حدث خلال السنوات الماضية يؤكد ذلك ويدعمه، فمنذ انطلاق موجة الربيع العربي المزعوم في نهاية العام 2010 وبداية العام 2011 والأجندة الأميركية – الصهيونية تسعى لتنفيذ مخطط كبير يهدف إلى تقسيم وتفتيت الوطن العربي وتحويله إلى 73 دويلة بحيث تكون أكبر دويلة بحجم الكيان الصهيوني الذي يحلم بأن يكون هو الكيان الأكبر والأقوى في منطقة الشرق الأوسط. وللأسف الشديد نجح المشروع التقسيمي والتفتيتي لبعض الوقت، حيث دخلت بعض الدول العربية في صراع داخلي مصطنع مع بعض القوى الإرهابية المدعومة من المشروع الأميركي – الصهيوني، واعتقدت أنها قادرة على تحقيق الأجندة الخارجية، عبر استنزاف وتحطيم الجيوش الوطنية.
لكن المواجهة الباسلة التي قادها جيش الجمهورية العربية المتحدة – ولا زال – أفشلت هذا المخطط حتى اللحظة الراهنة. فالجيش الأول بسورية خاض مواجهة ضخمة عبر ما يزيد عن عقد من الزمان تمكّن من الصمود في وجه الإرهاب الأميركي – الصهيوني، والأمر نفسه بالنسبة للجيشين الثاني والثالث في مصر حيث خاض معركة شرسة ضد الإرهاب ذاته. فالولايات المتحدة الأميركية وكيانها الصهيوني لن ينسوا ما قام به الجيش المصري العظيم من إحباط مخططاتهم الإرهابية وإفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد، لذلك يجب علينا السعي وبقوة نحو وحدة عربية عاجلة، لكن علينا نحن أن نضع أجندة هذه الوحدة ولا نتركها لقوى دولية لتتلاعب بمصالحنا. لن نرفض أي مبادرة لكننا سنضع بأنفسنا أجندة الوحدة. فإذا كانت هناك دعوات لمصالحة عربية فنحن معها على أن تكون مصالحة شاملة وغير مشروطة. وقد شاهدنا خلال الأيام القليلة الماضية تحركات عربية لمصالحة مع سورية العربية، وعودتها للحضن العربي. وبالفعل نجحت المساعي وعادت سورية لمقعدها السليب في الجامعة العربية، وبعدها بأيام قليلة كانت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود للرئيس بشار الأسد بحضور القمة العربيّة بجدة.
وحاولت الولايات المتحدة الأميركية إفشال مشروع المصالحة العربية مع سورية برفضها التطبيع مع سورية، وتهديد الدول العربية بعقوبات إذا حاولت كسر الحصار الاقتصادي الظالم المفروض منذ سنوات على سورية وفي مقدّمته قانون قيصر، ولم تكتفِ بذلك بل حاولت تفخيخ القمة العربية بفرض الرئيس الأوكراني زيلينسكي عليها بدعوة تبدو غريبة للغاية، لكن كل هذه المحاولات لم تنجح وتم إفشالها، حيث تمت المصالحة العربية – السورية بشكل سريع وعبر علاقات ثنائية بين سورية والعديد من الدول العربية، حيث شهدت الأيام القليلة قبل قرار عودة سورية لمقعدها الرسمي بالجامعة تحرّكات مكوكية لوزير الخارجية السوري الدكتور فيصل المقداد الذي استقبل بدمشق عدداً من وزراء الخارجية العرب، وكذلك انتقل إلى عدد من العواصم العربية مزيلاً حاجزاً ظل مفروضا على العلاقات السورية – العربية لسنوات. وكانت محطة المملكة العربية السعودية فاصلة حيث أعلنت بعدها عن عودة سورية للجامعة، ومشاركة الرئيس الأسد بالقمة، وتمكن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من تخطي عقبة زيلينسكي بذكاء، حيث أكد أن المملكة وسيط سلام بين روسيا وأوكرانيا، وتمّ تهميش زيلينسكي لصالح التركيز على الملفات العربية وتصدّرت عودة سورية وقضايا فلسطين والسودان وليبيا واليمن المشهد، وكانت كلمة الرئيس الأسد حاسمة، وضع من خلالها أجندة العمل المقبلة لإحياء المشروع القومي العربي، ليعرف الجميع أن العروبة ليست بالأحضان ولكن بالمبادئ والأفعال، فكانت القمة هي قمة الأسد بامتياز.
وبعد انتهاء قمة جدة ما هو المأمول، بالطبع العالم يتشكل من جديد وفق خريطة دوليّة متعددة الأقطاب، فلم تعد الولايات المتحدة الأميركية قطبا أوحد في ظل الصعود الروسي والصيني، ولم تعد الولايات المتحدة مهيمنة على منطقتنا العربية كما كانت، ولذلك لا بد من إعادة صياغة علاقاتنا العربية بالأقطاب الجديدة وهو ما يتم بالفعل على أرض الواقع خاصة بعد الاتفاق السعودي – الإيراني برعاية صينية وهندسة روسية والذي شكل ضربة في مقتل للولايات المتحدة الأميركية التي تاجرت لسنوات طويلة بهذا الملف. وبالطبع ستلعب سورية دوراً محورياً في التقارب العربي – الروسي، لذلك يجب أن نسعى بقوة وسرعة لإحياء المشروع القومي العربي. فالوحدة العربية أصبحت ضرورة ملحة قبل رسم خرائط المنطقة من جديد. فالمصالح العربية إذا توحدت ستكون لنا كلمتنا في رسم خرائط المنطقة والعالم، فنحن في عالم لا يحترم إلا الكيانات القوية، لذلك على جميع الرؤساء والقادة العرب أن يدركوا أن قوتنا في وحدتنا؛ اللهم بلغت اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى