أخيرة

رابط الإنسانية… عطاء بلا شروط

(إلى الرفيق بشير حسن الحاج حسن ـ
ثائر سعاده في ذكرى أربعينه)
‭}‬ عبير حمدان
كنت أنوي تحضير «قهوة الصباح» على موقد الحنين كي أضمّ العمر تحت أشجار السرو. هناك حيث حطّ طائر أسود بهيّ علمتُ لاحقاً أنه «شحرور»، في حديقة بيتنا العتيق الذي تخطّت سنواتُ بنيانه المئة. هناك كان المستقرّ الذي اختاره «بشير» جامعاً حوله الأجيال التي لم تلتقه قبل غربته، والأجيال التي عاصرها، وتلك التي حفظ من حكمتها الكثير.
في اليوم الذي كنّا سنلاقيه غافياً على أمل الانغماس في ثرى الأرض التي أحبّها وإليها انتمى، وكأنّه أراد أن يقول لنا من خلال هذا الطائر «لقد عدتُ لأنّ عمّي أوصاني بكن، عدتُ لأجيب على أسئلتك المكررة والجديدة، ولأخبرك عن صنين والعرزال وغابات الصنوبر التي تفوق عبقها على رائحة البارود. عدتُ لاستمرَّ بتزويدك بالمعلومات التي بين السطور حين تكتبين في «البناء» عن الرفقاء، وعدتُ لأقولّ لك استمرّي في هذا الطريق الذي أعرف أنك اخترته عن قناعة، ولو لم تؤدِّ القَسَم، ولأؤكد لك أنك ما زلت بين أيدٍ أمينة وحريصة…»
كم هي كثيرة حكايا هذا الطائر وكم نرنو إلى عبق «فنجان القهوة» الذي لا ينفصل عن جزء من عمرنا الجريح في ظل مرارة الرحيل الذي كَسَرنا وخنق الهواء حولنا.
بشير كان مؤمناً بمبادئ حزبه، بالإنسان – المجتمع، وكان يقولُ دائماً، حين نختار الأشخاص بإرادتنا ونجد فيهم الأخ والعم والخال، فهذا الرابط لا يمكن لأيّ شيء قطعه، إنّه رابط الإنسانية المجرّدة من المجاملات..
حفظ بشير إرثَ ابيه الشهيد، الذي وعينا على أنه عمّنا فاختار دفء البيت الشاهدة حجارته على مراحل الطفولة والشباب.. لم تُنسِه غربته التي كان يصفها بالقسرية هذا الرابط ونحن حفظنا مقدار المحبة في قلب أهلنا لعمّنا وعائلته.. هو عطاء بلا شروط جمعنا ولن يلغيَه الغياب. فالموت سفرٌ مؤجّل، ومن نحبهم لا يرحلون عن مدار وجودنا حتى لو غاب الجسدُ فتبقى الروح حاضرة في التفاصيل وفي وجوه كل مَن يعرفهم…
مَن نحبهم يبقى طيفهم حاضراً في التفاصيل البسيطة وفي يومياتنا نسمعهم حتى في لحظات الصمت الثقيل، مَن نحبهم لا يرحلون لأنهم يقيمون في نبضنا حتى نلقاهم.. ومَن نحبهم لا ينتهون بمأتم بل يسكنون في القلب حتى الخفقة الأخيرة..
للرفيق الراحل بشير الحاج حسن في ذكرى أربعينه نقول: ستبقى السند، والثائر والمناضل المؤمن بأنّ الحياة وقفة عزّ، وبأننا سنحاول أن نكون بخير، لأنك من حيث ترانا تريد لنا كل الخير، وسنؤمن بأنّ الغياب حقّ وأنت الذي كنتَ مؤمناً دوماً بصون الحق، وندرك أنك في مكان أفضل وأجمل لأنّ الجمال يليق بك…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى