«متصهينون يصلون في مساجدنا وكنائسنا ويرقصون في أعراسنا ولا يبكون في أحزاننا»
رنا العفيف
لا حاجة لإثبات أنّ الصهيونية فكر إجرامي من خلال المجازر التي ترتكبها في فلسطين المحتلة، التي تظهر وحشيتها وفظاعتها عبر ممارستها للعنف والقتل والتشريد والقتل والذبح وكلّ يوم يزداد الوضع سوءاً، وانطلاقاً من هذا كان لا بدّ أن نستذكر الصهيونية وتمدّدها، فبعد حرب تشرين التحريرية التي أكدت وأثبتت بجدارة أنّ الدول العربية إن اتفقت واجتمعت على توحيد صف الكلمة العربية حققت المستحيل، فالنصر القصير الذي تحقق عام 1973 بدعم عربي كامل، جعل الكيان الصهيوني يعيد قراءة التاريخ من جديد وأخذ عينة تاريخية مثالاً ويستخلص نقاط الضعف ويستلهم منها عبَراً تاريخية لصالحه، بعد أن أدرك ما معنى لمّ الشمل العربي في المنطقة، فتأكد أنّ احتمال التوحد والنصر العربي قائم رغم كلّ ما يعيشه الوطن العربي من ضغوطات غربية أميركية، وكذا تأكد أنّ فكرة احتلال الأرض دون احتلال العقل يظلّ دون منفعة، فما الذي حصل؟
قامت بتسخير إمكانياتها المادية والعلمية والفكرية والإعلامية لغزو العقل العربي بإتقان مدروس بعناية أميركية، أيّ أنّ الصهيونية وحلفاءها بعد أن انهزموا عسكرياً في جبهة القتال عام 1973، فتحوا نقاطاً جديدة واشتغلوا على فكرة فتح ثغرات العقول المدروسة باستراتيجية غربية موكلة بغسل الأدمغة لغزو العقول، بهدف اختصار ضوابط النصر النهائي لهم عبر احتلال الفكر والثقافة وضرب مفاصل العرب بدلاً من احتلال أجزاء من الأراضي العربية، واحتلت جزءاً كبيراً من رؤوس العرب فكرة فكرة كنوع من الانتقام والغاية من ذلك الاستيلاء على أولئك البشر من مفكرين عرب كانوا ضمن قائمة نصر تشرين ليكون الوطن لهم وبعد ذلك لا حاجة للأميركي و»الإسرائيلي» لفتح جبهة قتال تكلفهم الكثير ونجحوا في ذلك، والجميع اليوم يتساءل عن الصمت والنخب العربية أين هي مما يحصل في فلسطين؟ ليبقى السؤال معلقاً تاريخياً بوصمة عار على جبين من طبّع ودعم الكيان سواء بالخفاء أو في العلن، حتى أنّ بعض الأنظمة العربية وبعض الدول العربية تعيش بيننا وتسكن حاراتنا بين قوسين أشقاء صهاينة العرب، وبالتالي هم متصهينون بالفكر ومطبعون بالعقيدة، فبعضهم من يتشدّق بالصهيونية ويقوم في مدحها ويوهِم نفسه بأنها من فئة الديموقراطية والشفافية لدرجة أنهم يقومون بالدفاع عنها وعن حق الردّ الصهيوني، وكأنهم مكلفون من أسيادهم الغربيين بأن يكونوا موضع المحامي العام للدفاع عن «إسرائيل» التي تقوم بذبح إخوتهم العرب، وبدون حياء وخجل بعضهم يحاول محاولة فاشلة بكسر شوكة المقاومة والحركات الجهادية، بمعنى متصهينون يصلّون في مساجدنا وكنائسنا، ويرقصون في أعراسنا ولا يبكون في أحزاننا! لا تقلقهم الحرب على غزة ولا تؤلمهم جراح القدس والضفة ولا نكبة الأطفال ولا يهمّهم بكاء النساء الثكالى اللواتي يصارعن الحياة من أجل البقاء فداء للأرض واسترجاع حقوقهم الفلسطينية التي اجتمع العرب على تقاسم إرث الأرض الطاهرة كنوع من السمسرة السياسية ليتقاضى ثمنها عبر الأزمان بالفائدة التي يراها الإسرائيلي والبريطاني والأميركي مناسبة له، وتمّ الإجماع على هذا النحو تحت إغراءات معينة.
وبالتالي أنّ الصراع اليوم مع الصهيونية هو صراع وجود وليس حدود حيث لا مكان ولا معاهدات ولا اتفاقيات، فالتاريخ لا يرحم من يتخلى عن أرضه ونتاج من باع وطبّع مع الصهيونية واضح وجلي بالصورة التي تستكين مخيّلة الجميع في ايام الزمن الآتي…
فعند بلوغ العدوان الصهيوني على غزة قام الناشطون على الانترنت بوسم هاشتاغ سموه «صهاينة العرب، ورغم أنّ التسمية صادمة للبعض، إلا أنها تعرّي آخر بقايا منتجات الأنظمة الاستبدادية العربية التي تلهث وراء مصالحها الشخصية أكثر من مصالح الأمة العربية، وكان في ذلك سقوط مرعب بالامتحان الإنساني والوطني للقضية الفلسطينية نفسها قبل أن تكون لشعبها ولشعوب المنطقة، وبالتالي هذا الأمر عند البعض قد يكون موضوع إنشائي إلا أنه في حقيقة الأمر واقع مؤلم ستكون نتائجه سوداوية على الأجيال القادمة وعلى الشعوب والأجيال الجديدة الصاعدة، ولطالما العجز الرسمي العربي الذي يقف ضمناً مع الاحتلال الصهيوني غير قادر على فكّ ارتباطه بالصهيونية بعد أن تمّ تقييده دون شرط يبقى عاراً على المجتمع العربي والمحلي والإقليمي،
من المقرف وليس فقط المخجل أن تكون هناك أبواق إعلام عربية مشجعة على تصفية إخوانهم في غزة، ولهذه الأبواق دور كبير في سفك الدماء التي تراق بحجة الانتماء لحماس، وبعضهم اكتفى بالتنديد والبعض الآخر من رجال الدين يصلّون من أجل القضاء على «إرهاب حماس» كما يصفونهم، والأخطر في هذا هو تلك الفتاوى بتصفية القضية الفلسطينية والفلسطينيين بهدف تصفية حسابات الآخرين، والخلاصة في هذا هو أنّ معارك الشرف التاريخي لا تقاس بطاقات الأمة النائمة عن مواظبة صراع الصهيونية، فحجم الخيانة والعمالة كبير جداً على مستوى الفرد أو الجماعة، وعليه فإنّ نظرية المؤامرة في قراءة الشأن العربي والصراع الإسرائيلي له منطق واحد ووجه واحد وتاريخ واحد، وخير دليل حرب تشرين التحريرية، وأيضاً مشهد غزة لا يختلف عن الحروب التي خاضها العرب الأصليون التي شهدت لهم حدوات الأحصنة العربية الأصيلة خوض غمار معارك الشرف العربي التي يُحتذى بها من ناحية دحر الاستعمار والمستعمرين… ويبقى المشهد نفسه يقع رغماً عنه بالأحداث المترتبة في خضمّ «الربيع العربي» الذي اخترق الحاجز النفسي والفكري للأنظمة العربية ولا تزال تتحصّن داخل آخر معاقله وبكلّ تأكيد واقع سحيق لا مكان له سوى الحاوية التاريخية…