أولى

لبنان الرائع يستحق الافتخار

النار التي تُستخدم في فرز المعادن إلى مكوناتها الأصلية هي ذاتها النار التي تصهر المعادن من المكوّن ذاته إذا كانت بأحجام وأشكال متباينة. وربما كان اللبنانيون بحاجة إلى اختبار التعرّض للنار التي عصفت ببلادهم مع هذا الاستهداف الدمويّ ليكشفوا ما إذا كانت سوف تصح الرهانات على تفرّقهم حتى خطر الاقتتال، إذا شنّ الاحتلال عليهم حرباً، أم أن هذه النار سوف تظهرهم في مشهد مهيب يليق بانتمائهم الوطني؟
ما جرى مع استهدف بنية وبيئة حزب الله خلال هذه الأيام وما رافقه من مواقف في جميع الأوساط الحزبية الكبرى والسياسية الفاعلة، قال إن ما بين اللبنانيين من تباينات تتصل بالموقف من المقاومة وسلاحها ودورها وأدائها، لم يتحوّل الى تموضع عدائي في لحظة الاستهداف القاسية، بل تحوّل الى تضامن إنساني ووطني رغم الحفاظ على مسافة الاختلاف، عند الأشدّ خصومة وافتراقاً، كما هو حال القوات اللبنانية. بينما اقترب الآخرون بمواقفهم إلى الحد الأقصى من الوقوف في خندق المقاومة، كما فعل الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
هذا المشهد الوطني والسياسي يستحق التوقف أمامه وصياغة خطاب مختلف غير انفعالي تجاه الخصومة والاختلاف في الملفات الداخلية مثل ملف الرئاسة ومراعاة الخصوصيّات الحزبية والطائفية في مقاربة التاريخ الشائك بين اللبنانيين حول قضايا الخلاف وتجاوزها وتجاهلها ما أمكن، لأن إثارتها مجرد نكء غير موفق للجراح.
لبنان الرائع أيضاً ظهر في الجسم الطبي والمستشفيات، حيث لم يتأخر مستشفى عن نداء الواجب. والمستشفيات كما قال وزير الصحة فراس الأبيض لم تتلق بعد مستحقاتها عن وقفتها المشرفة عام 2020 عندما انفجر مرفأ بيروت. والجسم الطبي الرائع بكل مكوّناته، أطباء وممرضين وممرضات، كان مثالاً عالياً لروح المسؤولية والتصدي للواجب، أما وزير الصحة فيستحق التنويه والشكر لكل طريقته في إدارة الملف الصحيّ.
المشهد المبهر للبنان الرائع كان على الحدود، حيث لملمت المقاومة أشلاء شهدائها وجرحاها، ونهضت كطائر الفينيق من الرماد لتقاتل بصورة تثير الذهول. فالجسم الذي خرج من الخدمة فيه الآلاف من مواقعهم، بدا كأنه يدخل الحرب في يومها الأول بكامل قوته وعافيته.
هذا لبنان الذي نتمنى ألا يزول عندما تضع الحرب أوزارها، وقد أشعرتنا هذه العناوين في حاضره الراهن بالفخر والعظمة، ولو بقيت أصوات نشاز تعزف لحن ما بتشبهونا، بينما اللبنانيون جميعاً على قلب رجل واحد.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى