تصعيد العدوان الصهيوني وخياراته المسدودة
حسن حردان
دخل قادة العدو الصهيوني، وعلى رأسهم رئيس حكومة عتاة المتطرفين بنيامين نتنياهو، في حالة من الجنون والهستيريا والصدمة والتخبط، اثر ردّ المقاومة النوعي والقوي على جرائمهم التي ارتكبوها ضدّ قادة المقاومة وبيئتها الحاضنة.. بقصف أهداف نوعية عسكرية واقتصادية في مدينة حيفا المحتلة، كدفعة أولى على طريق الحساب المفتوح مع العدو لتدفيعه ثمن جرائمه بتفجير أجهزة الاتصال وقصف منطقة سكنية في الضاحية الجنوبية..
قادة العدو لم يتوقعوا فشل رهاناتهم في ان تؤدي جرائمهم وضرباتهم الموجعة التي نفذوها ضدّ المقاومة وجمهورها، وكانوا يعتقدون انها ستدخل بنية المقاومة وقيادتها في حالة من الوهن والضعف وفقدان المبادرة والقدرة على الاستمرار في المواجهة، وبالتالي الرضوخ للشروط «الإسرائيلية» لوقف جبهة إسناد غزة ومقاومتها.. ولذلك ذهب قادة العدو إلى التوسع في عدوانهم على لبنان مستخدمين تفوّقهم في سلاح الجو لمحاولة تغيير قواعد اللعبة في مواجهة المقاومة وفرض شروطه عليها..
لكن قادة العدو، يبدو وكأنهم لم يختبروا هذه المقاومة وطبيعتها وقدرتها على تجاوز الضربات التي تتعرّض لها والنهوض منها أقوى وأكثر تصميماً على مواصلة طريق المقاومة، كما أكدت تجربتهم معها، على مدى أربعة عقود ونيف، والهزائم التي ألحقتها بهم رغم التضحيات الكبيرة التي قدّمتها واستشهاد الكثير من قادتها..
فهذه المقاومة استفادت من دروس الحروب التي خاضتها في مواجهة جيش الاحتلال الصهيوني منذ عام 1983, وفي مواجهة جيوش الإرهاب التكفيري في الجرود اللبنانية وسورية والعراق، واكتسبت الخبرات الكبيرة.. وكانت دائماً تزيد من قدراتها القتالية والتسليحية، وتحصين بُنيتها، لأنها تعرف وتدرك انّ المعركة مع العدو الصهيوني قادمة بلا ريب، خصوصاً أنه كان أيضاً يستعدّ لأجل الانتقام من هذه المقاومة التي هزمته عام 2000 وعام 2006 وأذلّت جيشه وحطمت أسطورته.. فالعدو يعرف أنه لا يستطيع تحقيق أهدافه الاستراتيجية في التوسع والسيطرة وفرض الاستسلام على العرب وتصفية القضية الفلسطينية، ومشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيوني الأميركي، إذا لم يتمكّن من القضاء على هذه المقاومة التي تزداد كلّ يوم قوة ومقدرة، خصوصاً بعد أن فشلت الحرب الإرهابية الكونية في سورية في تحقيق ما هدفت اليه من محاولة قصم ظهر المقاومة، وسلخها عن عمقها وحاضنتها العربية السورية وقطع طريق إمدادها..
من هنا فإنّ المقاومة لا تضعف إذا ما استشهد منها قادة وكوادر، بل تزداد قوة وبأساً، لأنها بنت نفسها على قاعدة تمكنها من تحمّل ذلك، وملء ايّ فراغ يحصل في صفوفها، وهي في الوقت ذاته تملك من العقيدة والإيمان والقضية العادلة وبالتالي الاستعداد ما يجعلها قادرة على تحمّل التضحيات، على عكس كيان الاحتلال وجيشه ومستوطنيه الذين لا يملكون هذه الصفات والقدرة على تحمّل التعرّض للخسائر البشرية..
من هنا فإنّ قادة العدو باتوا يواجهون مأزقاً متعدد الأوجه، لا سيما بعد فشل حربهم ضدّ قطاع غزة في تحقيق أهدافها، او صورة إنجاز عسكري، حيث بعد نحو سنة تقريباً من عمر الحرب، تعرّض جيش الاحتلال لخسائر كبيرة في صفوفه، وضعف كبير في المعنويات وبات يعاني من الإنهاك، وفقدان الثقة بالقدرة على تحقيق النصر في مواجهة المقاومة الفلسطينية التي استعدت جيداً لخوض حرب طويلة النفس..
على انّ مأزق العدو في مواجهة المقاومة في لبنان ينطلق من انّ كلّ خياراته توصله إلى استمرار مأزقه في عدم القدرة على تحقيق أهدافه بواسطة استخدام المزيد من القوة والتصعيد في الحرب في محاولة يائسة لكسر إرادة المقاومة وتغيير قواعد الاشتباك توازن القوى معها، واخضاعها للشروط الاسرائيلية:
أولاً: اعتماد الحرب الجوية والاغتيالات، وهو ما يقوم به الآن من تكثيف للغارات الجوية التي بلغت ذروتها بالأمس، واستهدفت المدن والبلدات والقرى في الجنوب والبقاع وصولاً إلى الضاحية الجنوبية، بشكل عشوائي وأوقعت هذه الغارات مئات الشهداء والجرحى، كما استهدفت مواقع المقاومة في الجبال والوديان.. لكن هذا الخيار لم ولن يحقق أهداف العدو في النيل من قدرات المقاومة المحصّنة، ولا من قدرتها على مواصلة إطلاق الصواريخ وقصف المواقع والأهداف «الإسرائيلية» في شمال فلسطين المحتلة وصولاً إلى مدينة حيفا وجوارها والعمق الصهيوني في ضواحي تل أبيب، حيث عادت وقصفت مجدّداً مصانع روفائيل للصناعات العسكرية في شمال حيفا وقاعدة ومطار دافيد الحربي، رداً على توسع العدوان «الإسرائيلي»… وكان لافتاً استخدام المقاومة الصواريخ البالستية بعيدة المدى في قصف مواقع «إسرائيلية» في تل أبيب الكبرى والضفة الغربية، ما يعني انّ الغارات الجوية وشدّتها وكثافتها لم تحقق أهدافها ولم تستطع منع المقاومة من الردّ بقوة على توسيع العدو لعدوانه واستهدافه الإجرامي للمدنيين.. الأمر يؤشر بشكل واضح إلى أنّ هذا الخيار الإسرائيلي سيصل إلى طريق مسدود في السعي إلى تحقيق هدفه الرئيسي.
ثانياً، الخيار الثاني، شنّ الحرب البرية.. في ضوء الفشل المنتظر سيصل قادة العدو إلى قناعة بأنهم لا يستطيعون تدمير قدرات المقاومة وبنيتها ومخازن سلاحها سوى عبر القيام بشنّ الحرب البرية،، ولهذا يتوقع ان يلجأ العدو إلى تنفيذ اجتياح بري محدود في الجنوب في محاولة للوصول إلى بنية المقاومة المحصنة في الوديان والجبال، لكن تجربته الفاشلة في حرب تموز عام 2006 تجعله حذراً حتى الآن في الذهاب إلى هذا الخيار خوفاً من غرق جيش الاحتلال في فخ كبير تنصبه له المقاومة التي جهّزت جيداً لمثل هذا الاحتمال لتحويل المناطق التي يدخل إليها جيش الاحتلال إلى مقبرة لدباباته وجنوده، أكثر بكثير مما تعرّضوا له في حرب تموز.. لا سيما انّ المقاومة باتت تملك قدرات نوعية وخصوصاً الأسلحة المضادة للدروع وصواريخ بركان وفلق والماس لم تكن تحوز عليها في حرب تموز، ذات المدى القصير القادرة على إلحاق خسائر فادحة بقوات الاحتلال.. ما سيؤدي إلى تكرار مشاهد الفشل التي واجهت قادة العدو في حرب تموز.
ثالثاً، خيار العودة إلى حرب الاستنزاف، أو القبول بشروط المقاومة..
انطلاقاً مما تقدم يبدو انّ خيارات العدو لتحقيق أهدافه بواسطة الحرب الجوية او عبر الاجتياح البري صعبة التحقق إذا لم نقل إنها مستحيلة بناء على نتائج حرب تموز، ولهذا فإنّ قادة الاحتلال، عاجلاً ام آجلاً سيعودون إلى نفس المأزق وهو البقاء في حرب الاستنزاف التي أنهكت كيان الاحتلال، وحاول ثلاثي الحرب الصهاينة، الخروج منها عبر تصعيد الحرب على لبنان من دون جدوى، وبالتالي عدم قدرة على تحقيق هدفه بإجبار المقاومة على وقف جبهة إسناد غزة، والفشل في إعادة المستوطنين إلى مستعمراتهم في الشمال.. إذا لم يستجب لشروط المقاومة بوقف حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.