مقالات وآراء

المقاومة وشعبها سيُفشلان المشروع الصهيوني

 

د. عدنان نجيب الدين

 

ليس سهلاً على المرء ان يعيش بعيداً عن موطنه الذي ولد فيه ونشا وترعرع، واصبح اليوم يعاني من وطأة الحرب والعدوان والتهجير.
ليس سهلاً أن نشهد كل هذا الإجرام الذي يرتكبه العدو الصهيوني بحق من هم أعزاء آمنين في ديارهم.
وكم نتألّم لمشاهد أعداد الشهداء والجرحى والمهجرين قسراً من بيوتهم المدمرة التي بنوها بتعب السنين وعرق الجبين.
ليس سهلاً أن نرى مشاهد الآلاف من الناس الذين أجبروا على العيش بعيداً عن ديارهم وحقولهم ومتاجرهم وقراهم ومدنهم في مراكز الإيواء والخيم غير المجهزة بأبسط وسائل العيش والحياة الكريمة.
ليس سهلاً أن نرى كلّ هذه المآسي في وطننا الحبيب أمام صمت العالم وتقاعسه عن وقف الحرب والمذابح والتدمير المتعمّد بقنابل الموت التي يهديها الحكام المجرمون في الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب إلى العصابات الصهيونية المتوحشة لتفتك بالمواطنين العزل مع كلّ الحقد الأعمى والصلف وانعدام أيّ حسّ إنساني أو أخلاقي وهو أمر غير مسبوق. فرؤية الدماء التي تجري على أرض وطننا الحبيب، ومشاهدة أشلاء الأطفال والنساء والعجّز تدمي القوب وتدمع العيون وتؤلم الجوارح.
وأيّ محاولة لبلسمة جراح أهلنا في الوطن هي لا شيء أمام هول هذه المآسي والمصائب القاسية.
لا شك أنّ اللبنانيين قدّموا في تضامنهم واحتضانهم لأهلهم النازحين نموذجاً من الشعور بالمسؤولية الوطنية والحسّ الإنساني والأخلاقي الرفيع. لكن علينا أن نعترف لأهلنا النازحين، انهم يدفعون ضريبة مواجهة العدوانية الصهيونية عن كل الوطن وعن كل اللبنانيين. تماماً كما يدفع ابطالنا المقاومون ضريبة الدم عن شعبهم بكلّ فئاته.
لقد ارتكبت الدولة بسلطاتها المتعاقبة جريمة التقصير، طيلة السنين الماضية، تجاه شعبها وجيشها وسيادتها… فالحكومات المتعاقبة لم تعمل على إعداد جيش مسلّح بكلّ ما يحتاجه ليكون الحامي لشعبنا ولحدودنا ولا يتركها سائبة العدو. نحن نفتخر بجيشنا اللبناني وبمناقبيته وشجاعته وكفاءة جنوده وضباطه وتضحياته. لكن عتبنا على الدولة عندنا التي انصاعت لإرادة الولايات المتحدة والغرب عموماً، ولم تسع لتزويد جيشنا بكلّ ما يحتاجه من سلاح يردع العدو. فهل يُعقل أن يكون لنا دولة من دون جيش يمتلك كلّ ما يحتاجه من عناصر القوة؟
إنه الاحتلال الأميركي للبنان. صحيح أنه ليس احتلالاً عسكرياً مباشراً، لكنه احتلال للمؤسسات ابتداء بالقرار السياسي، ثم بالنظام المصرفي، ثم بتمويل بعض الإعلام لتشويه صورة المقاومة ولتجميل النظام السياسي الطائفي والدفاع عن الفاسدين. وهكذا أصبح التسليم للأميركي بعدم تسليح الجيش أمراً واقعاً، وأيّ محاولة لتسليحه من أيّ دولة خارج إرادة الأميركيين ممنوع تحت طائلة التهديد بالحصار وتخريب السلم الأهلي. ولذلك اضطرت الدولة الى رفض كلّ عروض التسليح المقدمة من روسيا والجمهورية الاسلامية في إيران وغيرهما.
المطلوب، إذن، أن يبقى جيشنا ضعيفاً لكي لا يواجه جيش الاحتلال حتى لو اعتدى على لبنان واحتلّ بعض أراضيه كما فعل في السابق، ويحاول اليوم فعله. ثم تمُنّ علينا أميركا بأنها تعطي الجيش بعض الأسلحة القديمة وبعض المساعدات التي لا تتناسب مع حجم الإمكانيات العسكرية الهائلة التي تقدّمها للعدو مجاناً.
أما على صعيد مساعدة لبنان لمواجهة أعباء النزوح القسري من المناطق التي تتعرّض للقصف الصهيوني المجرم، فقد رأينا المؤتمرات تعقد في الخارج لمساعدتنا، لكنها لا تسفر إلا عن تقديم بضعة ملايين من الدولارات تحت عنوان «مساعدات إنسانية» للجيش او لأهلنا النازحين، ونرى في المقابل مسارعة الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية لتقدم للكيان الصهيوني مساعدات بعشرات المليارات من الدولارات على شكل مساعدات عسكرية واقتصادية ليستمرّ في قتل شعبنا في لبنان ووفي غزة وفلسطين.
ونقول لمن وقع ضحية التضليل وتشويه الحقيقة: علينا أن نعي بأنّ العصابات الصهيونية التي غزت بلادنا بدءاً باحتلال فلسطين ثم راحت تحاول التوسّع بدعم من دول الغرب الاستعماري وتواطؤ من بعض الأنظمة العربية إرضاء للأميركي وطمعاً بكراسي الحكم والسلطان. هذه العصابات لن توقف الحروب علينا وعلى منطقتنا حتى نخضع لها جميعاً، وإنْ كان بعضنا لا يفهم معنى المقاومة ويظنّ أنها أصل البلاء وليس أطماع العدو وإجرامه، فهو لن ينجو من بطش العدو وجرائمه وعنصريته إنْ هو فضّل الاستسلام على المقاومة. فالمطلوب، «إسرائيلياً» من شعوب المنطقة أن تتخلى عن أرضها وثرواتها وتتذوّق كأس الذلّ والهوان. وشعبنا يقول: هيهات منا الذلة.
الحمد لله انّ شعبنا العظيم قد صنع هذه المقاومة العظيمة التي تقف ببسالة وعزم وشجاعة وإيمان بالله وبالنصر الآتي، وهي تتصدّى لجيش العدو وتكبّده أفدح الخسائر، وهذا ما شهدناه ونشهده كلّ يوم على أرض المعركة في غزة وخاصة في القرى اللبنانية الحدودية، كذلك في قصف المقاومة للقواعد العسكرية الصهيونية في الجليل والجولان المحتلّ وصولاً إلى حيفا وتل أبيب.
نعم، هناك تضحيات كبرى تكبّدتها المقاومة في لبنان وفلسطين. وتكبّدها شعبنا الصامد والمضحي، لكن لا انتصار من دون تضحيات. وصون الأرض والعرض يستحقان هذه التضحيات.
فالكيان الصهيوني مشروع حروب دائمة لاحتلال أرضنا ونهب ثرواتنا.
لكننا، اليوم، ومن خلال قوة وشجاعة المقاومين الشرفاء وتضحياتهم الكبيرة، سوف نفشل هذا المشروع الجهنمي. وسوف نلقن الأعداء الصهاينة دروسا في القتال والمواجهة والخطط الحربية. كما نلقن المتخاذلين من العرب عن نصرة اخوانهم في الدين والقومية والانتماء الواحد دروساً في العزة والنخوة والشجاعة والدفاع عن الأرض والعرض والكرامة.
ونحن من سنصنع لأمتنا نصراً عزيزاً ومستقبلاً زاهراً وسلاماً مشرًفاً. وستفخر الأجيال القادمة بأنّ ثلة من المقاومين الشرفاء والأحرار، المؤمنين بربهم وبأوطانهم، المخلصين في تمسكهم بالحق ورفع الظلم والدفاع عن لبنان وفلسطين وعن المقدسات، وحماية لبلداننا وصوناً لأعراضنا ودفاعاً عن ثرواتنا، ستهزم الجيش الصهيوني الذي اعتبره كثيرون أقوى جيش في المنطقة لحيازته أحدث الأسلحة الأميركية والأطلسية..
العدو يتلقى اليوم ضربات مؤلمة، وقد خسر الآلاف من جنوده وضباطه، ودُمّرت له كميات هائلة من الأسلحة والأعتدة، وفشل في محاولاته احتلال أرضنا من جديد، وإنْ توغل، ففيها ستكون مقبرته وسيُهزم.
المقاومة وشعبها سيُفشلان المشروع الصهيوني لاحتلال أرضنا ونهب ثرواتنا، بإذن الله…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى