أولى

القانون… حين تخالفه الحكومة!

 

 أحمد بهجة

 

لا تستطيع الحكومة ـ أيّ حكومة ـ أن تلزم المواطنين بتطبيق القانون إذا كانت هي نفسها بأجهزتها ومؤسّساتها ومسؤوليها تخالف هذا القانون. هذه قاعدة لا يمكن لأحد أن يتجاوزها تحت أيّ حجج أو أعذار، مهما كانت بلاغة التعبير والفصاحة لدى مَن يحاولون التبرير، فكيف إذا كانوا يتلعثمون بالكلام ويعجزون عن إيجاد أيّ حجة فيها الحدّ الأدنى من المنطق؟
هذا ينطبق تماماً على ما حصل في موضوع الطائرة الإيرانية التي تقلّ ركاباً لبنانيين من طهران إلى بيروت، والتي تبلّغت قبل أن تقلع من العاصمة الإيرانية بقرار منعها من الهبوط في مطار بيروت، بحجة أنّ على متنها أموالاً لحزب الله!
إذا كانت هذه هي الحجة فما هو إذن عمل الأجهزة الأمنية في المطار؟ أليست هي المسؤولة عن تفتيش كلّ الطائرات الآتية والمغادرة بهدف منع نقل أيّ ممنوعات مهما كان نوعها؟ أليس هذا ما حصل حين كان الدكتور علي حمية وزيراً للأشغال العامة والنقل قبل فترة قصيرة جداً، حيث أعطى الإذن اللازم لإخضاع إحدى الطائرات الإيرانية وركابها لتفتيش دقيق استمرّ لساعات، ولم يكن فيها أيّ شيء مخالف. أما أن يكون القرار هو منع الطائرة الإيرانية من الهبوط فهذا مخالف للقانون بكلّ المقاييس والمعايير المحلية والدولية، بما في ذلك الاتفاقيات التي تنظم عمل الطيران المدني حول العالم.
أيضاً لا منطق في الحجة القائلة بأنّ شركات الطيران الإيرانية عليها عقوبات أوروبية أو غير ذلك، لأنّ العقوبات ليست صادرة عن الأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي أو أيّ مؤسسة لها طابع دولي، وبالتالي ليس هناك ما يُلزم دولاً أخرى بتطبيق عقوبات غير دولية، ولذلك نجد أنّ الطيران الإيراني يسرح ويمرح في العديد من مطارات العالم، وعلى سبيل المثال فإنّ شركة «ماهان» تقوم بتسيير 58 رحلة أسبوعية حول العالم منها إلى: دبي، اسطنبول، شانغهاي، موسكو، أربيل، غوانزو، بكين، شينزن، بانكوك، السليمانية، دلهي، سانت بطرسبرغ ولاهور.
وكذلك تسيّر شركة «إيران إيرلاينز» رحلات عديدة بعضها إلى: دبي، اسطنبول، أبو ظبي، الدوحة، الكويت، جدة، الدمام، بغداد، النجف، باكو، كراتشي، مومباي وكابول.
‏ولذلك لم يكن هناك أيّ ذكر لموضوع العقوبات حين طلبت الحكومة اللبنانية من خلال وزير الأشغال العامة والنقل الحالي فايز رسامني إبلاغ المعنيين في طهران بقرار المنع.
هذه الوقائع تجعل حجة العقوبات في غير محلها، ولذلك عمَد البعض إلى ترويج سردية أخرى، حيث نشرت وكالة الصحافة الفرنسية أمس الأحد معلومات قالت إنها حصلت عليها من مصدر أمني لبناني مفادها أنّ الأميركيين نقلوا إلى الحكومة اللبنانية تهديداً إسرائيلياً بقصف مطار بيروت إذا سُمح للطائرة الإيرانية بالهبوط على مدرّجاته!
هذا ربما ما قصده رئيس الحكومة نواف سلام بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون السبت الفائت حين قال للصحافيين في قصر بعبدا «إنّ الأولوية هي لسلامة وأمن مطار بيروت».
هل يعني هذا الكلام أنّ سيادة لبنان أصبحت في مهبّ الإملاءات الأميركية و»الإسرائيلية»، وأنّ بإمكان الاحتلال ومَن معه فرضَ ما يريدون، وما على لبنان إلا السمع والطاعة؟ وإذا كان الأمر كذلك ماذا يمنع العدو أن يطلب غداً أو بعد غد أو الشهر المقبل إقفال هذه المؤسسة أو تلك الوزارة أو ذلك المرفق العام بسبب أو من دون سبب…؟
هل هكذا تتحقق السيادة والحرية والاستقلال التي ملأت شعاراتها الساحات والخطابات والشاشات؟
ثم إذا خرج عدد من المواطنين للتعبير عن السيادة الحقيقية برفض هذه الإملاءات، بطريقة سلمية حضارية منظّمة، باعتصام احتجاجي لمدة ساعة واحدة في مكان وزمان محدَّدين بمعرفة الأجهزة العسكرية والأمنية، يتمّ الاعتداء على الناس بقنابل دخانية وأخرى مُسيّلة للدموع وبين المشاركين أطفال ونساء وكبار في السنّ؟
ألم تخالف الحكومة القانون في هذا المجال؟ لقد شاهد الجميع الاعتداء بشكل مباشر على شاشات التلفزيون، حيث لم يصدُر من المعتصمين أيّ أمر مخالف للقانون، وقد مرّت بينهم قافلة لقوات اليونيفيل بمرافقة عناصر الجيش اللبناني ولم يتعرّض لها أحد حتى بالكلام. لكن هناك مَن تعمّد عن قصد أن يُخرج الاعتصام عن سلميّته لكي يأخذ الأنظار إلى مكان آخر وللقول إنّ مخالفة القانون تأتي من حزب الله كونه الجهة الداعية للاعتصام، فيما يشهد الجميع لحزب الله في كلّ مناسباته السابقة وعلى مرّ السنوات بأنها الأكثر تنظيماً، وبأنّ جمهور حزب الله هو الأكثر انضباطاً والتزاماً بالقوانين، وهذا ما سيكون بإذن الله في المناسبات اللاحقة، لا سيما في مناسبة تشييع الأمينيْن العامين السيدين الشهيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين يوم الأحد المقبل.
ختاماً… هناك مَن تفاخَر قديماً بأنّ أبيه كان يجبّر الكسور، فردّ عليه آخر متفاخراً بصوت أعلى بأنّ أبيه كان يجبّرها قبل أن تنكسر… وعلى اللبيب أن يفهم من الإشارة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى