مقالات وآراء

أنطون سعاده أحيا إرادة أمّة ظنّ العابثون الواهمون أنّها قضت إلى الأبد

 

‬ زينب خيربك

 

حدثَ أن كانت الأرضُ تجهلُ ذاتها وتجهلُنا، وتترنّحُ الحقيقةُ بين مخالبِ الجهلِ وأنيابِ الطُغاةِ، وتعلو أصوات الطبولِ على أغاريدِ الطيورِ ونداءاتِ الحقولِ. ثُمّ ذاتَ ربيعٍ فتحَ أنطون سعاده عينيه ونظرَ إلى الشمسِ بأجفانٍ غيرِ مُرتعشة.. فرأى لمعانَ مجدِ ماضٍ سحيق.
حينها تبلورَ السؤالُ في عقلٍ كان في ريعان الصّبا.. “ما الذي جلبَ على شعبي هذا الويل؟”.. وتلاهُ بسؤالٍ فلسفيٍّ فحواه “مَنْ نحن؟”.
إنَّ عظمةَ هذين السؤالين تكمنُ في عظمة ما تلاهما من مبادئ وأفكار شكّلت عقيدةً متكاملةً أصيلة، عمادُها سورية للسوريين والسوريون أمّةً تامّة، وهذه الأمّة لا ترضى القبر مكاناً لها تحت الشمس.
بعث سعاده فكرهُ في الريح، فجادت الأرضُ في العطاءِ بعد عقودٍ من الجدبِ، وأخذ يُرنّمُ في الفضاء فأضحت كُلّ الأصوات ما دونه محضَ اختلاجاتٍ لا تقوى على الصّياح، لذلك كانت الدعوة القوميّة الاجتماعيّة الأكثر أصالةً وسموّاً، الدعوة التي أيقظت الشعب من غفلته ونبهتهُ إلى حقيقتهِ.
“أمّا الدعوة السوريّة القوميّة الاجتماعيّة فهي دعوة الحرية والواجب والنظام والقوة، إنّها دعوة إرادة الحياة والسمو، ولا يُضيرها أن لا يُلبيها الذين اختاروا العجزَ مذهباً والفناءَ غاية”.
هذه الدعوة كانت الوحيدة التي وحّدت بين جميع السوريين على اختلافِ أديانهم وأطيافهم ومشاربهم، مُحاربةً بذلك أعظمَ بليّةٍ حلّت على الأمّة وهي الحزبية الدينية، التي أنهكت الأمّة وعملت على تفسيخها وتفككها وجعلت كُلّ طائفةٍ أمّةً وقوميّة لها أهدافها ومصالحها الخاصة التي تتضارب مع مصالح الأخرى وتوقظ النعرات الهدّامة التي تقوم بقتل روحيّة الأمة وشلّ حركتها وتشويه حقيقتها.
“الحركة الوحيدة التي قضت على الحزبية الدينية ومحت التعصب الدينيّ من صفوفها هي الحركة التي استمدت وجودها من الأرض والشعب بكل ملله وطوائفه – الحركة التي سادت بالمحبة للأرض والشعب – للشعب كله بجميع فئاته المتقدمة والمتأخرة، المتعلمة والجاهلة، المثقفة وغير المثقفة. هذه الحركة هي الحركة القوميّة الاجتماعيّة”.
أيّها السوريون
باتّحاد نفوسنا جميعاً نسمو على الفتن والنعرات التي تستهدف تقسيمنا ونشر العداوات بيننا، في سورية مجتمعٌ واحد يزهو بقيم الحقّ والخير والجمال، فلا تَدَعوا الغشاوة تُعمي عيونكم لتعيشوا في قتام الليل، كي لا ترونَ الجُثث مطروحة على جوانب الطُرقات، والأفاعي المُنسابة بين الأقدام، كيلا يُعششَ الخوف في نفوس أطفالنا، وينبت الشوك عوضَ الزهر في حقولنا، وكي لا نسمع من أشباح الليل صُراخَ السخرية والاستهزاء.
أيّها السوريون
“لا تسوّدوا وجوهنا حيثُ يجبُ أن تبيّض، ولا تعوّدوا شعبكم الذُّل لتشتموه في قلوبكم، إنما السوريون شعبٌ كريمٌ له شخصية وله نفسية وله قومية وله وطنية، والسوريون محاطون على هذه الصفات والخصال لا يبيعونها ولا يشترون غيرها، …، وهم الذين علّموا الشعوب الأخرى فضيلة حُبّ الوطن كما يشهد لهم بذلك أفلاطون في كتابه الجمهورية”.
إنّ أنطون سعاده أحيا إرادة أمّة ظنّ العابثون الواهمون أنّها قضت إلى الأبد، وأعلن استقلالها وسيادتها على نفسها، فأيقظَ بفجرهِ عزيمة القوم وأعادَ ما كانَ ضالاً من الثقةِ إلى نفوسهم فغدت لهيباً مُتّقداً يحملُ الإنسان من السلامة العقيمة حيثُ تتقهقرُ النفس أمام الطمأنينة والأمن إلى الجهاد المُثمر أمام مصاعب ومعارك الحياة، ومن ثمّةَ إلى الانتصار المُشرّف.
أيّها الزعيم ..
ما برحَ طيفكَ يتخطّرُ أمامنا إلى هذا اليوم..
فلم يستطع الموت أن يوقف خطواتك.
تسيرُ أمامَنا كقائدٍ عظيم، يبثُّ بأجسادنا الواهنة القوّة الفاعلة التي ستغيّر وجه التاريخ، وفي قلوبنا حميّة تتوقُ للانتصار، وتتجسدُ الإرادةُ في سواعدنا الجبارة فتسيّرُ العواصف والزوابع حيثُ لا مصلحة تعلو على مصلحة سورية.. لنسمعَ في أصقاعِ وطننا أنشودةَ الخلود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى