أولى

هواة يمسكون بالزر النووي

 

لا يختلف الرئيس الأميركي دونالد ترامب في غطرسته وعناده وتجاهله للانتقادات المحقة عن أركان إدارته، ولا يختلف عنهم في استهتاره وتمجيد ذاته لابتكار أفكار تنمّ عن جهل وسطحية وسذاجة، كمثل مشروع تهجير سكان غزة، وضمّ كندا وسواها من الأفكار التي لا يزال يبشّر بها. ويصبح الخروج عن المألوف قاعدة تفوق كما قالت “البهدلة” التي تلقاها الرئيس الأوكراني في البيت الأبيض، وكما قالت ملاحقة القضاة الذين حاكموه، وملاحقة الناشطين الداعمين لفلسطين وملاحقة للقضاة الذين رفضوا إجراءاته العقابيّة ووصفوها بـ اللاشرعية.
اختيار أركان الإدارة مظهر آخر من مظاهر الخفّة في قرارات ترامب، مثل تعيين مقاول عقاريّ لا يعرف ألفباء السياسات الدولية والإقليمية مبعوثاً خاصاً لمنطقة غارقة في الحروب والقضايا المعقدة، ووسيطاً لحل قضيّة تعب العالم من محاولة تجاهلها، كما تعب من محاولة حلها، واختيار ستيف ويتكوف يشبه اختيار الكثير من سفراء ترامب، والمعيار هذا نسيب وهذا صديق وهذا لعب الغولف معه، وهذا تشارك معه بصفقة عقاريّة، ومشهد الأركان بحضوره لا يشبه إلا مشهد شعراء البلاط في حضرة سيّد القصر يُسمعونه المديح الذي يطنب سمعه له.
الفضيحة التي تمثلت بما نشرته صحيفة أتلانتيك عن مجموعة الدردشة التي تضمّ رئيس تحرير الصحيفة وكل قادة أميركا ما عدا ترامب نفسه، والمخصصة لمناقشة الحرب على اليمن، وما تضمّنته المحادثات من معلومات تفصيليّة عن الغارات الجوية ومواعيدها وأهدافها ونقاط انطلاقها، لا تكشف فقط الاهتراء والتسيّب في عمل الإدارة، بل مستوى الهواة الذي ينتمي إليه قادة الأمن والقوات المسلحة والمخابرات، فالقضية إضافة للخفة في نشر المعلومات عبر تطبيق متاح للعموم، هي قضية عدم التحقق من الأعضاء غير الحكوميين في المجموعة من كل مَنْ تمّت إضافتهم إليها، ولم يعتبر وهو على رأس جهاز استخباري ضخم، أن عليه التحقق من شركائه في مجموعة المحادثة، قبل قبول الانضمام.
السي اي اي التي ترعب العالم بدرجة تشدّدها في معايير الأمن، تظهر بلا معايير، ومثلها سائر وكالات الاستخبارات. وهذه الخفة لا تجلب الطمأنينة حتى لخصوم وأعداء أميركا بل تُخيفهم أكثر، لأن هواة مبتدئين بلا خبرة ولا شعور بالمسؤولية هم الذين يُمسكون بدفة القرار في هذه الدولة العظمى وبيدهم قرار استخدام القوة القاتلة وتعريض العالم للفناء.
مَن يُمسك بالزر النووي قد يعتقد يوماً بالخطأ أنه زر طلب الكوكاكولا فيضغط عليه.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى