ثمانون عاماً… هل قامت لتجمع العرب أم لتفرّقهم؟

معن بشور
قبل ثمانين عاماً، وبالتمام والكمال، قامت في 22/3/1945 في القاهرة جامعة الدول العربية لتختتم مشاورات بدأت في الإسكندرية (يا لسخرية القدر) تحت عنوان «مشاورات الوحدة العربية».
ومنذ ذلك الحين وفي الأمة صراع بين الوحدويين العرب الذين كانوا، وما زالوا، يأملون أن تتحوّل الجامعة من إطار بروتوكولي فضفاض بين الدول العربية الى إطار توحيدي يسعى إلى إشادة البنى التحتية للتكامل السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني والثقافي للأمة العربية؛ فيما كان حراس التجزئة، في المقابل ومن ورائهم أعداء الأمة من مستعمرين وصهاينة، يعملون ليل نهار على إفراغ ميثاق الجامعة من مضامينه وتجويف كلّ القرارات والمعاهدات والاتفاقيات الممهّدة لنهوض الأمة واستقلالها من إيجابياتها، لا سيما منها اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية والدفاع العربي المشترك وقرارات مقاطعة العدو الصهيوني وداعميه والعديد من الاتفاقيات والقرارت الماثلة التي لم يُكتب لها التنفيذ يوماً واحداً.
بل عمد حراس التجزئة، ومَن وراءهم، إلى العمل لتحويل هذه الجامعة الى غطاء لكلّ الحروب والمؤامرات على دول عربيّة رئيسيّة كالعراق وليبيا والسودان واليمن، ناهيك عن تغطية اتفاقات التطبيع مع العدو الصهيوني الذي كان من المفترض أن تقود الجامعة حملة المقاطعة ضده وضد داعميه…
إزاء هذا الانقلاب الرهيب في دور الجامعة، وصمت القيّمين على قرارها المشوب بالتواطؤ مع الأعداء… بدأ منطق الوحدويّين العرب يتراجع أمام المنطق المضاد الذي استفاد إلى حدّ كبير من التناحرات التي سادت العلاقات بين تيارات شعبية باتت منساقة إلى أولويّات الصراع على السلطة، وحيث بات لدى الكثيرين الأهم هو هدف الوصول إلى السلطة والحفاظ عليها على حساب المبادئ والأفكار: وبدلاً من أن تكون السلطة في خدمة هذه الأفكار والمبادئ… باتت المبادئ والعقائد في خدمة السلطة.
اليوم، وفيما تواجه الأمة أياماً صعبة مليئة بالمجازر والحروب والفتن الطائفية والمذهبية والعرقية بين الأقطار وداخلها، تكمن فرصة تاريخية أمام جامعة الدول العربية، أي أمام الدول الفاعلة والمؤثرة في الجامعة، أن تعود الى مبرّرات وجود هذه الجامعة وميثاقها، فتسعى إلى تنقية العلاقات بين دولها وداخل هذه الدول وبين هذه الدول ودول الجوار الإسلامي والأفريقي، بل… واستثمار عناصر القوة في أمتنا وفي مقدّمها قوى المقاومة والقدرات الاقتصادية التي تمتلكها، والتفاعل الدوليّ مع قضيتنا الفلسطينية بشكل خاص…
إنّ الحديث عن جامعة الدول العربية دون الحديث عن واقع الأنظمة، التي ما زال أغلبها أسير حسابات تجعله مرتهناً للخارج، ولكنها أيضاً بدأت تحسّ بمخاطر تهدّدها من داخلها كما من الخارج…
إنّ التضامن العربي والإسلامي حول فلسطين ودعم المقاومة في وجه عدو لا يفهم إلا لغة القوة تستعيد الجامعة دوراً إيجابياً كما كان الحال في أواسط خمسسينيات القرن الماضى حين وقفت الأمة كلها بمواقعها الرسمية والشعبية إلى جانب ثورة الجزائر حتى كان الانتصار المؤزّر على الاستعمار الفرنسي…