إيران عقدة الجيوبوليتيك الأميركي

د. وفيق إبراهيم

 

يبذل الأميركيّون كامل إمكاناتهم المتنوّعة لإسقاط الجمهورية الإيرانية، دامجين بين جهود عسكرية واقتصادية منها ما يتعلق بهم مباشرة او من جهة حلفائهم في الشرق الاوسط.

فلم يوفروا وسيلة لم يستعملوها، حتى وصلوا الى حدود الادارة المباشرة لمعارضات إيرانية تسللت الى القيادة الداخلية للتظاهرات في إيران وتعمل على توجيهها لتفجير الأوضاع في المدن.

لماذا يعتبر الأميركيون إيران مركز المحور الشرق اوسطي المعادي لهم؟

أولاً تمكنت إيران من القضاء على الشاهنشاهية الفارسية التاريخية بالقضاء على آخر حكامها في طهران العام 1979.

ثانياً: التزمت خطاً لا تزال تعمل عليه وبدأت بتظهير إيران نفسها من المحاور التاريخية الغربيّة الاتجاه.

ثالثاً: التزمت قضية تحرير فلسطين بما هي قضية إسلامية تعنيها مباشرة، وجزء هام جداً من الشرق الاوسط، فاستجلب لها عداؤها للأميركيين سخط ممالك الخليج واماراته المرتبطة بنيوياً بالجيوبوليتيك الأميركي.

خامساً: تحركت ميدانياً لمجابهة النفوذ الأميركي فنجحت في بناء علاقات تحالفية مع قسم من الأفغان والباكستانيين ولبنان وإيران والعراق وسورية، التي كانت تستهدفها بتوازنات القوى الجديدة معها.

هذه المعطيات أدت الى بناء منظومة عداء قوي داخلية وعربية واقليمية ودولية للجمهورية الاسلامية.

صحيح ان هذه السياسات عززت دور إيران في الشرق الاوسط وجعلتها محوراً إقليمياً وازناً وواعداً، لكنها استولدت منظومة عداء سياسية لها من ثلاثة محاور، الأميركيون مع معظم الغرب، “إسرائيل” وممالك الخليج.

وهذا مشابه تماماً لمرحلة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي جعلته سياساته الشرق اوسطية الرافضة للاستعمار الغربي – الأميركي عدواً اساسياً للغرب الاستعماري و”إسرائيل” وبلدان الخليج التي كانت تمول كل اعدائه.

وهي أيضاً مماثلة لمرحلة الرئيس الراحل حافظ الاسد الذي استحضرت سياساته الوطنية عداء كبيراً من المحور الأميركي – الاسرائيلي – الخليجي.

بدوره الرئيس بشار الأسد تعاديه اليوم المنظومة الثلاثية نفسها لأنه قرر منع الارهاب من اجتياح سورية بتغطية أميركية وخليجية وتركية مدعومة بغارات اسرائيلية متواصلة.

لذلك يركز النفوذ الأميركي على ضرورة اسقاط الدولة الإيرانية او تفجيرها الى دويلات عرقية.

اما الاسباب فواضحة واولها ان إيران هي المحور الذي يربط بين كل الدول المعادية للأميركيين.

فضلاً عن جوارها المباشر للخليج الذي يشكل كنزاً مفتوحاً للأميركيين استراتيجياً واقتصادياً.

هذه هي الاعتبارات التي تدفع الأميركيين الى وضع إيران على لائحة الاستهداف الدائم منذ اربعين عاماً. وكيف لا وهي التي يؤدي استمرار دورها الى صعود روسي – صيني يؤكد على تعددية الاقطاب في العالم، وهذا يعني تراجعاً أميركياً.

هنا يبدو ان الأميركيين لم يصابوا بيأس لفشل كل المخططات التي استهدفوا بها إيران، خصوصاً الحصار الاقتصادي الخانق المستمر منذ ثلاثة عقود وتحريض الداخل على دولته، والتآمر الخليجي والإسرائيلي والضغط على حلفاء إيران في سورية ولبنان والعراق، فيعمدون الآن الى دعم محركي التظاهرات في إيران بوسائل طبقية تتهم الدولة بالفساد السياسي والاقتصادي، وعرقية بمحاولات تحريك الأكراد والعرب والأذربيجانيين من ذوي الأصول التركية، ومذهبية بتحريض السنة على الشيعة، هذا بالإضافة الى تسللهم عبر ادوات داخلية الى تظاهرات العراق ولبنان ومحاولات تفتيت الشرق والشمال السوريين.

إلا أن هذه الألاعيب لم تحدّ من حقد الأميركيين، فأنشأوا حلف ملاحة أميركي – عربي إسرائيلي، لاستهداف الجمهورية الإسلامية في مياه بحري الخليج والأحمر، ويعولون عليه لقطع الملاحة امام إيران وتقليصها على إيران واليمن في جمهورية صنعاء، عند خط الساحل البحري في الحديدة وساحلها الغربي.

وعمدوا في مؤتمر حوار المنامة في البحرين الى التركيز على الخطر الإيراني وضرورة التصدّي العسكري له ومنع اي حوار معه.

أي دفعوا نحو مواقف من ستين دولة حضرت المؤتمر من دون أي قدرة على تنفيذها بشكل عملي.

لم تكفهم كل هذه التدابير مغتنمين قمة وزراء الدول العشرين الأكثر تقدّماً في العالم، لحضّ وزير الدولة للشؤون الخارجية عبدالله الجبير لشن اعنف خطاب ضد إيران، دعا فيه الى محاربتها لأنها خطر على العالم، مشدداً على ضرورة إلغاء كل ما له علاقة بالنووي على أراضيها ودافعاً نحو ضرب تحالفاتها كحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق وانصار الله في اليمن.

لقد تحولت إيران وسواساً أميركياً، فمن يصدق ان الأميركيين يعقدون عبر أنصارهم في دول المنطقة مؤتمراً للمسيحيين العرب في باريس، له هدف وحيد هو رفض أي تحالف مع إيران بذريعة أنه حلف أقليات والدعوة الى تحالف مع الاكثرية.

لا بد هنا من الاشارة الى أن قادة هذا المؤتمر هم النائب السابق فارس سعيد الذي دخل الى هذه الأكثرية من بوابة التعامل مع الإرهاب في عرسال اللبنانية وجورج صبرا المنتحل صفة معارضة سورية والتي تبين انه حليف لداعش والنصرة ومثله ميشال كيلو وعماد جاد المصري وخطاب ابو دياب وفداء حوراني.

والطريف أن رضوان السيد الوهابي ونصير الإرهاب علناً، كان من أبرز خطباء هذا المؤتمر ومركبي حواراته، ألم تؤدِ هذه السياسات الى تهجير تسعة ملايين قبطي مصري وعدد مماثل لهم في سورية والعراق ولبنان؟

فالمنطقة واحدة بكامل مكوّناتها الطائفية والعرقية في وجه النفوذ الأميركي فلماذا القبول بالتحول اداة في يد الغرب للسيطرة على مجتمعاتنا الشرقية ولماذا استعداء إيران وحزب الله وهما لم يعتديا على مسيحي واحد فيما قتلت داعش والنصرة ملايين المسيحيين، الامر الذي يبين عمق الاستهداف الأميركي لإيران بما هي البلد الشرق أوسطي الوحيد الذي نجح في اختراق الجيوبوليتيك الأميركي الشرق اوسطي والصامد في وجه إرهابه منذ اربعين عاماً.

زر الذهاب إلى الأعلى