«عشق الصباح»
“هناك حيث تشرق الشمس ينتظر الحب أن يبدأ.. كان لا بد لي من انتظار امرأة تشبهني».
لوجهكِ إشراق الصباح.. حين تضيق من حولي الدنيا ألجأ إلى الذاكرة او أتفتش عن حالي..! كانت الريح تغلق بوجهي أبواب الدنيا ونوافذها وأنا أحاول ان أتخلص من توالي الأوجاع “بلية فبلية» أكابدها بالصبر وكتابة الحكايا.. هموم بدت كأنها خلقت لي.
أو كأني غريب في مدن تضج بالناس والحياة، “تضيق روحي» وقد تجاوزت عتبة الشباب إلى الكهولة، مثقل بأكوام من الأسئلة والذكريات.
هو الليل محراب بوح المحبين.. سحبت كرسياً قديماً وجلست خلف النافذة أرقب المطر الهاطل على الشرفة، فتحت النافذة الشمالية أريد أن أشمّ رائحة أرض الحاكورة “أنا أتعشّق رائحة الأرض بعد المطر».
منذ كنت طفلا أركض حافي القدمين في الأزقة الموحلة لقريتي “معان» قبل أن تعرف “ضيعتنا» الكهرباء والطرقات الأسفلتية، فجأة شعرت ان كل شيء من حولي صامت إلا رنين الهاتف.. تركت الشرفة والمطر والنافذة.. جاء صوتها عبر أسلاك الهاتف باحاً حزيناً شغوفاً.. قالت: لا زلت أذكر أنك تحب المشي تحت المطر ما رأيك أن تترك “صومعة مكتبتك» وتأتي لنمشي تحت المطر..
الشام في الليل تبدو كأنها عروس تغتسل بعذوبة الماء وعطر الياسمين حيث لا أحد إلا هي ترقص على شاطئ الضوء تزنر خصرها بكل هذه الأضواء المشعشعة، تجعلك تشعر بأنك تملك الحياة ولا تريد للنهار أن يجيء.. تعال اشتقتك.. يا إلهي: بعد كل هذه السنين من الغياب كيف تذكرتني.. تركت النافذة والشرفة والمطر.. ارتديت ملابسي الشتوية.. أغلقت الباب خلفي ومضيت إليها حتى من دون أن استأذن أي أحد.. وبعد عناق حميمي تبادلناه قالت: أتذكر كأن أصواتنا لم تزل معلقة على أشجار الأرصفة وآثار خطواتنا لم تزل على رصيف حديقة “الشعلان» حيث كنا نلتقي.. نظرت في عينيها أكتشف ملامح وجهها تحت أضواء الشارع.. أنت سرقتك الحياة وأنا سرقني الحبر.. والكتب والأوراق والقهوة “والتبغ» والبحر..
وضعت يدها بيدي ورحنا نمشي “صامتين» في ظلال الياسمين تحت مطر سماء الشام.. يا لهذه الشام التي تسكنني ويا للذكريات حين تحن عليك بوميض ابتسامة لموعدٍ قد لا يجيء!
حسن إبراهيم الناصر