«قاطع» عدوك.. في كل ما يثبِّت وجوده

                                   

} هـ. ح. *

«إسرائيل» كائن غريب عنا. تم زرعه في بلادنا سكيناً وفوهة جحيم لتقذف حمماً بلا توقف فتدمّر كل ما نبنيه مرحلة مرحلة.

و»إسرائيل» رأس بنية الأخطبوط العدو لنا. عدو حياتنا. عدوّنا في الهوية وفي الوجود وفي الحياة وفي القيم وفي التاريخ وفي الاقتصاد وفي الفكر وفي الفلسفة وفي الدين..

هويته مسروقة من هويتنا. مبتدَعة من مكوّناتنا لكنها مشوهة، لتكون هوية مسخاً تلائم خطة تدمير أمتنا عبر التاريخ، طوراً بحملات روما، وتارة بحملات ترفع راية الدين وأرض الميعاد، وتارة بفتح الأسواق وإيجاد مستعمرات.. وحالياً بحروب آبار النفط وأنابيب الغاز.. والهدف تثبيت استراتيجيا التدمير والإبادة لكل قوة حية فينا حتى تقفر أمتنا فيأتون من شتاتهم هم ومَن هوّدوهم مستوطنين.

الحرب ضد «إسرائيل» واجب وجود، لأنها العدوّ المطلق للوجود والهوية. فأي تهاون او غفلة او تقصير في المواجهة هو دعم غير مباشر لانتصار خطة التدمير بالحرب على الحياة.

خطتهم انتصرت حتى الآن انتصاراً منقطع النظير. لأسباب منها تولي العملاء والأغبياء والأدعياء مقاليد القيادة رسمياً وشعبياً وتفجير بنانا الاجتماعية بالطائفية والرجعية والحزبية الخصوصية والفردية المتضخمة مرضاً مادياً وروحياً، وحرص الأعداء على متاعبة مدهشة بلا انقطاع طيلة قرون لتحقيق أهدافهم وتجيير قوى كثيرة في سبيلها.

قاطِع!

أما نحن، فماذا يجب أن نفعل؟

كسيف بتار حاسم قاطع.. قاطعْ!

كما يفصل بين ضدَّين.. قاطع!

لا تترك نفسَك تحدثك بربح من منتجاتهم.. قاطع!

لا تعطي لذوقك فرصة ليسوِّل لك بجودتها.. قاطع!

لا تهادِن فكرة مخرّبة.. بل قاطع!

الآن.. وليس غداً.. قاطع!

وفي كل آنٍ في حياتِك.. قاطع!

وفي كل مكانٍ.. تعرّف إلى ما ينتج عدوُّك.. قاطع!

وفي كل مكان تعرَّف إلى ما ينتج داعمُ عدوك.. صديقُ عدوك.. حليفُ عدوك.. قاطع!

أنت تُفلِس.. وهم يثرون منك وبك.. قاطع!

ونحن نغرق في دمائنا من خططهم.. وغباء كثرتنا وقطعاننا.. قاطع!

ماذا نقاطِع؟

اقتصرت الحملات الرسمية والشعبية لمقاطعة إسرائيل على مقاطعة البضائع الإسرائيلية. هكذا بالضبط على ما يدل اسمها: مقاطعة البضائع الإسرائيلية!

وفي هذا التحديد القاصر للمقاطعة غابت عن بال واضعي خطة المقاطعة نقطتان خطيرتان:

الأولى: اقتصار المقاطعة على البضائع «الإسرائيلية»، أي التي يتم تصنيعها داخل الأراضي المحتلة، ويمكن التثبت من حصول هذا التصنيع في «إسرائيل» لتنطبق عليها شروط المقاطعة.

ولكن ما وضع البضائع «الإسرائيلية» التي تصدر إلى مصر والأردن ويتم تعليبها وتغليفها في مصانع الدولتين المتحالفتين مع العدو «الإسرائيلي»؟ وتصبح هذه النقطة أخطر بكثير مع توسّع علاقات الكيان اليهودي الصهيوني عربياً وإقليمياً وعالمياً، بحيث يمكنه أن يصدر بضائعه إلينا مموّهة بتغليفات عدة تخفي هويته الأصلية. فقريباً تصبح السعودية سوقه العربية الأولى فضلاً عن باقي دول الخليج، فهل نبقى نستورد من تلك الدول العربية المتحالفة مع «إسرائيل» والمنفتحة عليها؟ فندعم اقتصادها ونعزز مصانعها ونستورد منتجاتها الزراعية والصناعية والتي ثبت في مرات عدة إنها «إسرائيلية» ومسربة إلينا بتعليب أردني عبر الأردن، مثلاً.

لذلك، فإن أية مقاطعة للعدو «الإسرائيلي» هي بلا جدوى إن لم تشمل حلفاء هذا العدو العرب والدوليين. بتغيير أولويات علاقتنا التجارية والاقتصادية مع الدول على أساس دعمها للكيان «الإسرائيلي» فنستبعدها، أو رفضها لخططه وسياساته العنصرية فنعقد معها معاهدات الصداقة والتعاون.

النقطة الثانية: لا يتم النيل من قوة العدو فقط بمحاصرة مصانعه لتقليل قوتها وقدرتها التسويقية، فقوة العدو ليست فقط بترويج بضائعه، بل تكمن أيضاً في بناه النظرية والفلسفية والفنية والثقافية والنفسية والسياسية والقيمية المعنوية، فضلاً عن الاستراتيجية العسكرية. فإن قاطع المواطن بضائع «إسرائيلية» بينما تبنى مقولة فلسفية لمفكر يهودي أو لمنظر يهودي وصهيوني، أو شجّع جامعة مؤسسها يهودي وتدعم هذه الجامعة أو المؤسسة أو الدولة الخطة «الإسرائيلية» في بلادنا، أو سوّق كتاباً عن الشرق الأوسط، وساهم في تعميم مفردات اللغة السياسية الإسرائيلية والأميركية العالمية المتداولة ومفاتيحها النفسية والقيمية التي تشوه دلالات المفردات الهوياتية والنفسية على الأقل بتخلق كينونات وهويات بديلة منها، فتكون كمن يهتمّ بعدم تناول شوكولا إسرائيلية، بينما الأفكار الطائفية والسلفية والدينية التي تسرّب عبر ما يُسمى كتاباً مقدساً بالتزوير والتحريف والإغراء والطغيان تراها مقدسة وواجبة التطبيق ومطلقة الصحة ومنتظرة الحصول، فتكون تلك المقاطعة تسلياً بالقشور.

حتى لا نبقى نتسلى بالقشور. طهر نفسك وجسك وبيتك وأسرتك ومحيطك من كل ما يدعم عدوك ويمده بالقوة والحياة. واستبدله بإنتاج محلي، بفكرة من صميم نفسيتك ومن طبيعة تاريخنا ووجودنا.

حقك أن تُقاطع. وواجبك أن تُقاطع. قاطِع اليوم قبل أن تُقطَع غداً.

*  باحث وناشر

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى