بين الإرهاب والمملكة هكذا يتعرّى الجيش أمام «الجهاديين»…

روزانا رمّال

تؤكد تصفية أسامة بن لادن على يد الكومندوس الأميركي في باكستان انه يمكن القضاء على داعش بقرار أميركي يتراوح بين «الإبعاد أو الاقتصاص» قد يولد بين لحظة واخرى على ارض المعركة السورية إذا دخلت واشنطن بملف تسووي جدي مع موسكو في فترة ما قبل الانتخابات الأميركية المقبلة، فداعش الذي لا يزال يدين بالولاء لأسامة بن لادن، وتتهم «جبهة النصرة» بالخروج عن طاعته، قد لا يكون مصيرها مختلفاً عن مصير مؤسس «القاعدة» اسامة بن لادن الذي خاض باراك اوباما رهان فوزه بالولاية الثانية على أساس برنامجه الانتخابي الذي وعد بالقضاء عليه. لعبة تكفيرية دقيقة لكنها غير بعيدة عن فكر الاستخبارات الأميركية التي أسّست لها بشكل متقن بأيادٍ عربية ومحلية أميركية.

لم يعد خافياً باعتراف رؤساء أجهزة أمنية عرب واوروبيين، ومعهم ضباط أميركيون، انّ مؤسس «القاعدة» العربي الخليجي الأبرز هو الأمير بندر بن سلطان. واللافت هنا انّ غياب أو إقصاء اسم بهذا الحجم عن المشهد السوري ليس أمراً بهذه البساطة، والترجيحات حول استمرار بن سلطان في إشرافه على المجموعات بتعاون أميركي لا تزال عالية. فالأمير السعودي رئيس جهاز الاستخبارات السابق أقصي عن المشهد بعد ان بدأ الخلاف في سورية بين «جبهة النصرة» التي تدين بالولاء لقطر وتركيا وبين «داعش» التي تعمل لحساب المملكة.

الأب الروحي الخليجي المؤسّس لـ»داعش» أو «القاعدة» والذي كان سفيراً للمملكة في واشنطن لسنوات طويلة لم يكن وحيداً، فقد برز اسم زبيغينيو بريجنسكي الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي لدى ادارة الرئيس جيمي كارتر على انه مهندس إغراق السوفيات في أفغانستان، وصناعة «الجهادية».

العلاقة القديمة بين الاستخبارات الأميركية والاستخبارات السعودية تلخصها متانة العلاقة بين بندر بن سلطان وشخصيات أميركية استخبارية متعاقبة يبدو أنها فضلت سحب اسمه من الأزمة مباشرة، لكن هذا لا يعني سهولة سحب اسم المملكة العربية السعودية التي كانت تدرك مهمة بن سلطان ودوره مع الجهاديين من دون أن تتحسّس مما لذلك من أثر في اكثر من محطة قد تبدو محرجة. وقد تمّ سحب اسم بن سلطان بعدما تواترت الاتهامات في الميدان السوري وأخذت الانقسامات بين «جبهة النصرة» و»داعش»، اي «القاعدة» تطفو على السطح، حتى كاد الخلاف بين قطر والسعودية يفضح دور المملكة وكاد أيضاً يؤدي بـ»الجهاديين» إلى فضح دور بندر، فانكفأت المملكة وباشرت تدريجياً بإعادة التموضع بعدما أصبح اسم بندر بن سلطان اكبر منها ومن طاقتها على التحمّل.

كان من المفترض أن يتمّ القضاء على «داعش» بعد إقصاء بن سلطان بالمنطق، لكن هذا لم يحصل وفتح أبواب الأسئلة، هل انكفأ بن سلطان فعلاً عن مهمته؟ هل سحبت يد السعودية؟

تردّ الحكومة السورية في أكثر من مناسبة، بأنّ دور السعودية في تغذية «داعش» سواء كان بأيدي بن سلطان أو غيره موثق لديها باعترافات جهاديين تمّ اعتقالهم، وبينهم قادة رووا قصتهم مع المموّل السعودي وتفاصيل اجتماعاتهم بمسوؤلين سعوديين وأميركيين كان أبرزهم جون ماكين في أكثر من مناسبة.

لا تسحب الحكومة السورية فكرة التعاون الأميركي السعودي الأمني في سورية نهائياً، وهي في هذا الإطار ليست مؤمنة بكلّ ما تدّعيه السعودية في مكافحة الإرهاب.

ملف شائك فتحته المملكة في لبنان من دون أن تدرك انه بوابة إدانتها في هذا الإطار. وهو ملف إلغاء المعونات العسكرية المقرّرة للبنان، واذا كانت المملكة جادّة في مكافحة الإرهاب وقد رفعته إلى أعلى سلّم أولوياتها وباشرت بالاقتصاص منه، كان حرياً ان لا تتخذ قراراً بحجم القرار المتمثل بإلغاء المعونة الأمنية العسكرية المقرّرة للجيش اللبناني منذ اكثر من 3 سنوات، فاتحة الباب أمام تعرية للجيش اللبناني في وجه المجموعات الإرهابية القابعة في أعلى جرود البلاد، حيث تتهدّد مجموعات «داعش» و»النصرة» المنطقة الواقعة بين عرسال وجوارها، وهنا فإنّ هذا التراجع يشكل ضمانة أمام المجموعات الجهادية إنّ شيئاً من المعونات العسكرية لن تتوافر للجيش اللبناني في الوقت المنظور، خصوصاً أنّ ما من جهة عربية مستعدة لكسر القرار السعودي والتفرّد بمساعدة الجيش اللبناني، وبالتالي تقدّم المملكة الجيش ضحية أيّ هجوم تكفيري مباغت.

رفع الفيتو أمام الجيش اللبناني يعني تنصّلاً سعودياً من أي دور في مكافحة الإرهاب، فكيف تفسّر نياتها بضمّ لبنان إلى الحلف العربي الإسلامي لمكافحة الإرهاب، إذا كانت العلاقات الرسمية بين البلدين للمرة الأولى بهذا السوء؟

توضع جدية السعودية في مكافحة الإرهاب على المحك، وتنكشف أمام التنصل من دعم الجيش اللبناني لتأخذ نحو مبالغات سعودية في هذا الإطار لم تثبت أو تحقق ايّ نتيجة في هذا الملف، بل اقتصرت جهودها على دعوات لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، بالتعاون مع الأمم المتحدة قبل وفاة الملك عبدالله وغيره من التحرّكات الشكلية.

عدم تراجع المملكة عن قرارها وتلقفها ما قدّمته الحكومة اللبنانية من حقيقة لموقف واحد يراعي الصيغة الحساسة يحمّلها مسؤولية مقاطعة باقي الدول الخليجية عن تقديم المساعدة له وتعرّيه أمام الإرهاب، بشكل يصبّ في إطار مخططات إضعاف جيوش عربية رئيسية في مواجهة الملف. هذا بغضّ النظر عن دور حزب الله والتعاون مع الجيش الذي سيكون فرصة ليتعزز أكثر بعد الضغوط والقيود التي فرضتها السعودية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى