هل تحوّلت المكرمة السعودية إلى الجيش الحرّ؟
وليد زيتوني
عاد في الأيام الأخيرة الكلام عن المساعدة السعودية إلى الجيش اللبناني إلى واجهة الأخبار، وكثرت التحليلات حول الأسباب التي دعت المملكة إلى تجميد هذه المساعدة أو إلغائها. فمنهم من ربط هذا الإلغاء بمواقف سياسية لبنانية محلية، ومنهم من اعتبر التجميد موصولاً بالخلافات داخل الأسرة الحاكمة، أو كنتيجة طبيعية لانهماك المملكة بالحرب على اليمن، وتراجع أسعار البترول، وبالتالي إلى العجز في الميزانية المالية السعودية.
في الحقيقة يمكن الأخذ بالاعتبار كلّ هذه الأسباب على محمل الجدّ. غير أنها ليست أسباباً كافية لإلغاء هذا الالتزام البسيط، إذا ما قورن بالأرقام التي تدفع إنْ كان في حرب السعودية على اليمن، أو الأموال التي دفعتها وتدفعها في محاولة منها لإسقاط النظام في سورية، أو الدعم الذي تقدّمه لتركيا وغيرها من الدول العربية وغير العربية لتمرير سياستها الخارجية.
ورغم أنّ هذه الهبة لم تكن أكثر من تعفيرة لأسلحة فرنسية أصبحت عملياً غير ذات فعالية، إذا ما قورنت بالأسلحة الحديثة، بل إنّ ثلثي هذه المساعدة إذا ما اقتطعنا العمولة السياسية، كانت ستذهب إلى شراء أربع سفن حربية، لم تجد فرنسا سوقاً لها، وهي في الواقع سفن غير قادرة على إنجاز أي مهمة قتالية ضدّ العدو «الإسرائيلي»، بل ستكون لقمة سائغة لسلاحَيْ البحرية والجو لديه. والثلث المتبقي هو عبارة عن آليات خفيفة التدريع ومدافع مقطورة ومروحيات ليست لها قدرات عملانية جدية.
طبعاً، كنا نعتقد وبإجماع المراقبين والخبراء في هذا المجال، بأنّ هذه الصفقة لن تزيد قوة الجيش اللبناني كثيراً، خاصة في مواجهة الأطماع العدوّة. بل ستفيد نسبياً في مواجهة التنظيمات الإرهابية التي تنتشر على التخوم الشمالية والشرقية. وهي التنظيمات نفسها التي تدعمها المملكة، وتقع عملياً خارج المنطق بحيث يتمّ دعم الضدّ وضدّه في الوقت نفسه.
انطلاقاً مما تقدّم، يمكن للعاقل الاستنتاج أنه لا يمكن للسعودية تقديم مساعدات للجيش اللبناني، وهو الجيش الذي يدافع عن أرضه وحدوده وشعبه بمواجهة العصابات المسلحة نفسها التي تدعمها السعودية.
ترافق ذلك مع الأخبار المسرّبة عن خطط عمليات مشتركة بين السعودية وتركيا للهجوم على سورية انطلاقاً من جبهتي لبنان والأردن. حيث إنّ هذه المعلومات تفيد عن ثلاثين ألف عنصر يتغلغلون في الأراضي اللبنانية، وخمسين ألفاً ينتظرون في مواقع محدّدة في الأردن، وأنّ المساعدات التي كانت مقرّرة لدعم الجيش ستذهب إلى القوى التي تتبع للأوامر السعودية، واستكملت هذه المعلومات بتسريبات عن مرور عدد من شحنات الأسلحة عبرت قناة السويس متوجهة إلى لبنان.
يمكن للمراقب أن يتجاوز هذه المعلومات لو لم يكن هناك سوابق بهذا الشأن، فلم تزل شحنة «لطف الله 2» في ذاكرة جميع اللبنانيين، بالإضافة إلى الأسلحة التي مرّرت عبر الحدود اللبنانية إلى الداخل السوري. كما لا يمكن تجاوز حادثة «السائح» السعودي الذي فجّر نفسه في أحد فنادق الروشة.
كلّ هذه المعطيات تضيء على الأسباب التي دعت السعودية عبر زبانيتها إلى توتير الأجواء اللبنانية ورفع منسوب الخطاب الطائفي والفئوي في المرحلة الأخيرة. بالإضافة إلى التصريحات المتسارعة وغير المتوازنة للقيادة السياسية السعودية وأتباعها الخليجيين والمحليين، وتترافق مع المناورات العسكرية في حفر الباطن بحيث يسمح لكلّ مراقب أن يربط الأحداث استناداً إلى التجربة، وربما أكثر من ذلك بربط هذه المعلومات بالتصريحات المتوّجة باجتماعات متلاحقة مع قيادات أمنية «إسرائيلية» التي أصبحت علانية.
في الختام، إنّ مبرّرات تجميد المنحة غير كافية وغير مقنعة للقريب والبعيد، رغم التهويل والتطبيل لجماعات الحرية والاستقلال والسيادة بل هي منظومة متكاملة من الأعمال السياسية والاقتصادية هدفها الضغط على اللبنانيين للقبول بإمارة داعشية سعودية تشكل قاعدة انطلاق للهجوم على سورية.