العدوان على غزة وصراع المحاور

حميدي العبدالله

في مقال نشره في إحدى الصحف الإسرائيلية، أكد عاموس يادلين، الجنرال المتقاعد ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» إبان حرب تموز 2006 على لبنان، أن الجيش الإسرائيلي كان يرغب في وقف العملية العسكرية ضد لبنان بعد مرور أسبوع واحد على بدئها، ولكن الطاقم السياسي رفض ذلك واستمرت الحرب 33 يوماً.

معروف أن حرب لبنان استمرت 33 يوماً بناءً على طلب أميركي من إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش نزولاً عند رغبة أطراف لبنانية وعربية كانت ترغب في أن يقود العدوان إلى القضاء على حزب الله ونزع سلاحه، وبالتالي إضعاف منظومة المقاومة والممانعة، بالتالي طالت الحرب 33 يوماً بدلاً من أسبوع، وسقط شهداء وجرحى في لبنان، كما تكبد العدو خسائر فادحة ليس لأن متطلبات الحرب فرضت ذلك، بل لأن أطرافاً ومحاور عربية ودولية أرادت لهذه الحرب أهدافاً لا تتصل مباشرةً بقضايا الصراع العربي الإسرائيلي.

اليوم يتكرر المشهد ذاته. فالجنرال عاموس يادلين يحذر القيادة الإسرائيلية من تكرار خطأ حرب تموز على لبنان، ويدعو إلى وقف الحرب، لكن صراع المحاور والأهداف المحركة لهذه المحاور تدفع باتجاه إطالة أمد الحرب، حيث يدفع الشعب الفلسطيني ثمناً باهظاً وإضافياً. فثمة أطراف عربية وإقليمية قطر وتركيا وحتى حركة حماس لا تريد وقف العدوان الآن إذا لم يأت ذلك في سياق مبادرة ترعاها قطر وتركيا، وثمة أطراف عربية مصر والسعودية تريد هي قطف ثمار أي قرار لوقف العدوان وعبر مبادرة صادرة عنها، وتأمل أن يصب ذلك في إطار إضعاف حركة حماس ومن خلال إضعافها إضعاف المحور القطري التركي الإخواني.

ونتيجة هذا الصراع بين المحاور انهارت أول محاولة لوقف العدوان، حيث أعقب هذا الانهيار تصاعد العدوان براً وبحراً وجواً على القطاع وسكانه الذين يدفعون الآن ثمناً باهظاً.

للأسف الشديد، في لبنان وفي قطاع غزة، وجدت أطراف محلية قبلت أن تلعب دور الواجهة، وسهلت على القوى العربية والإقليمية لعبتها، حتى لو كان الثمن دماء الأطفال والنساء والشيوخ من شعب لبنان ومن أبناء قطاع غزة.

لكن ما يجب إدراكه أن هذه الألاعيب لا يمكن التحكم بها دائماً، فالاعتداءات الإسرائيلية الواسعة، والمجازر التي تتسبب بها، تضفي على الصراع دينامية خاصة، وهذه الدينامية سرعان ما تصبح الأطراف أسيرتها، وأعجز من التحكم بها، وعندها يكون دفع الثمن غالياً، فخيار المقاومة لا يمكن قهره، ولم يعد من الممكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فانتصار المقاومة أمر حتمي، ومن يلعب بهذه المسألة سيدفع الثمن وحده.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى