الديمقراطية القومية الإيرانية تنتصر وديمقراطيتنا الطائفية تنهار
هاني الحلبي
هاني الحلبي
توّجت الانتخابات الإيرانية الأخيرة النظام الإسلامي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بـ»أوسكار» الديمقراطية بلا منازع، باعتراف ألد خصومه!
وكان فوز الإصلاحيين مرجَّحاً بنسبة لافتة، لكن كانت شكوك قوية تلوح هل يسمح المرشد بفوز إصلاحيين؟ لكن فوز الإصلاحيين أكد حيادية المرشد بينهم وبين المحافظين، وتوازن النظام وقواه ومؤسساته على آلية راسخة متكافئة.
مع العلم أن توقيع الاتفاق النووي وتمريره في المجالس الإيرانية التي ناقشته طيلة اشهر، لا يصحّ حسابه في فاتورة اتجاه من دون أن يدّعيها آخر بشكل مطلق، وإن كان الإصلاحيون أقرب لضرورة التصالح مع الغرب، لكن ليس بشروطه الظالمة، كما يفعل العرب إذ يستسلمون لما يملى عليهم بلا أدنى نقاش ندّي، على المصالح المشتركة من غيرهم من الاتجاهات السياسية الإيرانية. لكنّ المحافظين لم يكونوا ضد أيّ اتفاق يضمن حقوق إيران في التقنية النووية السلمية وحفظ سيادتها على قرارها وتعزيز مصالحها القومية وفي الإقرار بكونها قوة إقليمية كبرى وقوة آسيوية دولية ناشئة ومفتوحة النمو والتأثير.
ولا شك في أن حكمة مرشد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي ودقة المواقف المتوازنة التي يتخذها وعمق النظرة التي يسبر بها المسائل الوطنية والإقليمية والدولية والتحديات والاستحقاقات الإسلامية والنظرة المنفتحة على السياسة الرشيدة وفتوح العلم والتقنية والابتكار والفن وتوجيه المؤسسات التربوية والعلمية إلى التوسع في الاختراع والابتكار والبحوث العلمية حتى غدت إيران في الدرجات الخمس الأولى عالمياً، للبحث العلمي والابتكار الصناعي، كلها تبشر بحسن القيادة الإيرانية للنظام ولو بمنهج ديني يلائم الطبيعية القومية الإيرانية ويرعى تنوعها البهي حقوقياً وهوياتياً ووجودياً واجتماعياً ففي بابل الإتنيات الإيراني يمكن حفظ تموسق المجموعات في إطار نظام عادل ومنصف ومستقر، وهذا الاستقرار تيار طاقة عامة سيتسع باستمرار لينقل الفكر الإسلامي من حالته الانحطاطية الراهنة، وبخاصة الحالة العربية التقليدية المستنقعة إلى حالته المتجدّدة بما للدولة الإيرانية وصداقاتها وتحالفاتها من تأثير وازن.
ومع انهيار الدولة الدينية التقليدية العربية بسبب تقليديتها وفردية قيادتها أو تمحورها في أسرة حاكمة تتوارث في نسبها الحكم أو الملك فتتحوَّل الجمهوريات القائمة جمهوريات ملكية هجينة، بآلياتها اللادستورية المغلقة.
بينما الدولة العلمانية العربية تواجه حروباً كونية، بهدف جرف أي تفكير عقلي علمي وأية مؤسسات شرعية تستند إلى حالة قومية في الهلال الخصيب ليتكرّس فراغاً فكرياً ومؤسسياً وهباء منثوراً من أية مظاهر لقوة قومية قابلة لاستجماع شتاته الإثني والطائفي والعنصري والمذهبي الذي تعمّمه حالة كيان إسرائيل غاصب وعنصري ومدمّر في عداونيته. الحرب التي تشهدها سورية منذ سنوات خمس يشنها تكالب الدول والمنظمات الإقليمية والدولية عليها بحيث حدّدت دورها ووظيفتها وتأثيرها مرحلياً في مستوى البقاء والدفاع عن النفس. لكن مع صمودها الأسطوري وحفاظها على مؤسساتها التاريخية المدنية والعسكرية وتمسك الشعب السوري بمؤسساته يكرّس الثقة بانتصارها وعبورها ولادة قيصرية دامية لتدشّن عصراً ثورياً عربياً له تداعياته ودوره في تجديد المشرق العربي والمغرب العربي وتثوير الخليج ووادي النيل أيضاً في السنوات المقبلة.
انتصار الديمقراطية الإيرانية في التجربة الانتخابية جدّد شرعية النظام كنظام شريك ومستقر بآلياته ومؤسساته وقيادته وكرّس الرضى الشعبي عليه وأن انتخاباته ليس جدولاً حسابياً يصدر في نهاية يوم طويل لآلاف أقلام الاقتراع مُعدّاً مسبقاً ليتم نشره بلا فرز دقيق ومراجعة وطعون ومحاكم تدقق النتائج الأولية والنهائية قبل صدورها بمسؤولية وطنية عالية احتراماً لعقول المقترعين ولاتجاهات رأي عام حرّ وقاصد تغييراً إيرانياً يواكب الفتح الإيراني الراهن على العالم السياسي الدولي الحالي.
بينما في لبنان، لم تتمكن ديمقراطية الطوائف المتحاصصة نتف الأعداد والمجموعات وبقاياها قبل الانقراض بسبب انهيار أي قوة عامة وهيئة وطنية تبعث على الثقة باستعادة الدولة المتهافتة منذ تأسيسها. فمنذ حوالى سبع سنوات لم تُعقد دورة انتخابية نيابية ولم تُنجز انتخابات رئاسية وربما الانتخابات البلدية لن تجري، وإن أجرينا انتخابات فيتم الاتفاق عليها بين الأقطاب النافذين طائفياً لتكون بالتوافق. لكنّ أي توافق هو طغيان على حساب الرأي العام وتعليب ضارّ للإرادة الشعبية في المتحد الذي يجري فيه الانتخاب. لأنه تطويق لآي تغيير تريده أكثرية سكانه. فالتوافق يعني اتفاقاً على أسماء مقبولة من النافذين ورصد ميزانية معتبرة للآليات الانتخابية وماكيناتها ولا يهم المتوافقين ما إذا كانت تلك الأسماء هي حقاً حالة تعبير يجدد حيوية المتحد الشعبي وتعبر عن رأي عام شعبي فيه أم لا تعبر. فالتغيير لا يأخذ إذناً من قوى الأمر المفعول السائدة شعبياً، فالتغيير يفرض نفسه كقضاء وقدر، كتيار واسع التأثير ويجرف أمامه ما يعترضه من أشكال سياسية واجتماعية وقوى ومؤسسات استنقعت في تقليديتها اليومية فلا تفطن لغدٍ يستحق الحضور وجيل جديد تلزمه فرصة التحقق والفعل والتنفيذ والقيادة.
انتصرت الدولة في إيران بوصفها مؤسسة الشعب الكبرى ولو تعددت قوميات الشعب الإيراني، ما دام يجمعها نسق نظام عام عادل ومنصف ومستقرّ يجد كل منها هويته فيه ويحقق ذاته في أنساق النظام، فكيف يضعف النظام وكيف يقبل المتحقق الخروج عن النظام بفوضى خلاقة أم غير خلاقة يدبرها أجنبي طامع أو عدو كاره؟ وكل فوضى هي تدمير. الانتخابات الحقيقية هي دم جديد يدفق في شرايين الدولة العامة التي لا مفر من قوتها لتجديد النظام الجدير بالحياة.
حاجتنا ماسة لاعتماد النظرة القومية الاجتماعية للدولة وللأمة ليكون لنا نظام عادل مستقر، لا لأقليات ولا أكثرية متعنتة، لا محادل ولا فتات مستصْغَر لا حول ولا قوة له.
حاجتنا ماسّة لديمقراطية تعبير وافية عن حاجتنا للعدل الحقوقي والاجتماعي والسياسي. حاجتنا ماسّة لنفض الاستكبار على إرادة الشعب الذي في أول استفتاء له العام 1919 رفض الهجرة الصهيونية ورفض تقسيم سايكس بيكو ووعد بلفور هكذا كل ما تشكل منذ ذلك التاريخ هو على أنقاض الإرادة الشعبية في سورية الطبيعية.
ولا يمكن أن تفعل تلك الإرادة القومية في حبوس الإقطاع السياسي والاقتصادي والطائفي اللاحقوقي التي تحكمت في فسيفساء الدول الكيانات التي قامت على بقايا السلطنة.
ولا يمكن أن تفعل إرادة الشعب باعتماد المنظار القديم، الطائفة والعشيرة والمذهب لتجديد قوانا بل على أساس قومي بالضرورة، لتكون لنا انتخابات نستحقها كالانتخابات الإيرانية المستحقة التهنئة.
للشعب الإيراني التهنئة وللقيادة الإيرانية درع التقدير على ما حققت، علّ أن تحاكيها قياداتنا فيستنهض شعبنا روحه وتكون انتخاباتنا فيصلاً يحسم بين تعطيل إرادته وفعلها المنشود.
ناشر موقع حرمون haramoon.org/ar