الأول من آذار… ولادة عصية على الموت!
محمد ح. الحاج
لآذار وقع متميّز على الأسماع والأبصار، أوّله تفتح البراعم والأزهار منبئاً بولادة حياة جديدة، تنتظرها المخلوقات دون استثناء وأوّلهم البشر، تتجدّد الألوان بين بياض الياسمين وحمرة شقائق النعمان.
كثير من الأزهار ينعقد ثمراً، أغلبه شهيّ وقليل منه متميّز، وكثير منها يتساقط بعد مرحلة بفعل الرياح وعوامل الطبيعة لتؤكد أن لا مكان لضعيف كي يستمرّ في الحياة.
في الأوّل من آذار العام 1904 أثمرت زهرة متفتحة عظيماً يندر أن يتكرّر مثاله كلّ قرن من الزمن وعلى مساحة العالم، كانت تلك الثمرة أنطون سعاده الذي نشأ وترعرع في بيت جدير برعايته، بيت عريق بالعلم والمعارف، والأهمّ حب الوطن.
بواكير عظمته تجلّت في مواقفه وهو في سنّ اليفاعة يوم أنزل العلم العثماني عن سارية مدرسته، وبعدها يوم رفض تحية علم الانتداب، ودلّل بذلك على نضوج ونبوغ ووعي لانتمائه إلى الأرض والوطن والحرية والتحرّر، وهذه جينات ومكوّنات العصبية القومية التي قال بها.
أنطون سعاده الشاب، الثمرة الناضجة النادرة يتلمّس جراح أمته وآلامها ويسأل نفسه الكثير من الأسئلة التي لم تخطر في بال مَن هم أكبر منه سناً، وأغلبهم أعطى لنفسه إجازة من الأسئلة المتعِبة وارتضى التبعية ومغانم اللحظة…
وحده سعاده أراد أن يعرف مَن نحن فوجد الجواب، وسأل نفسه «ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟»، وكذلك وجد الجواب، وانطلق عاملاً لتكون النهضة… مشروع حياة يرفض الموت بل يتجه إلى نوع من خلود الفكر والعقيدة.
عقيدة ثالوثها وحدة غير قابلة للانفصام، الزعيم المؤسس صاحب الدعوة والعقيدة، والدعوة إلى قضية تساوي وجودنا، ونحن المقبلين عليها… أعضاء الحزب.
حياتنا القومية الاجتماعية لا تستقيم، ولا يكون الحفاظ عليها إلا بالتمسك بدستورنا… نظاماً وقضية، وإذا ما فقدنا البوصلة إلى الطريق الصواب فهذا سعاده مرجعنا ووطن من أضاعوا البوصلة إلى الوطن، وهم من الناشزين في أفكارهم العتيقة البالية ولم يرتقوا ليكونوا قوميين اجتماعيين حقاً وحقيقة.
ليس أدْعى إلى القلق والتوتر من حالة أمتنا الحاضرة واستهداف صيرورتها بعدوان أممي يرمي إلى تفتيتها وزوال وجودها، ولا أوْجب للتفكير والتبصّر منها فالأمة والحزب مستهدفان في زمن يتقاذفه عالم مخيف وهما قطبا فكرنا في الحركة السورية القومية الاجتماعية.
الأوّل من آذار هو يوم صاحب الدعوة، سعاده العظيم، الحاضر بفكره وتعاليمه، بوجهه وسيرته، بحياته وغيابه، في كلّ ما يعتري مسيرتنا من أوهام وما ينقشع أمامنا من حقائق. سعاده هو الوطن الذي يتسع لمن ضاقت عليهم الأوطان، الذين يمارسون أدواراً وضيعة.
في هذه الظروف المصيرية يتمسك القوميون الاجتماعيون أكثر فأكثر بعقيدتهم النضالية، وجهاديتهم، وعياً وإيماناً وبذلاً وعطاء، وبمقدار صمودهم وثباتهم على مواقفهم وموقعهم، الموقع القومي الصحيح نضالياً وأخلاقياً، اقتداء بالمعلم المؤسّس الزعيم، بمقدار ما تكون تضحياتهم كلها ثمناً بسيطاً لأهدافهم المنجزة تغييراً في الحياة وتحوّلاً باتجاه الإنشاء والتحرير والحفاظ على وحدة الوطن والمجتمع.
بعد سنوات خمس من العدوان على الشام ومعاناة أبناء الأمة اقتصادياً واجتماعياً ومصيرياً، وبعد سيل أنهار من الدماء روت تربة الوطن، يشكل القوميون القدوة الصالحة لباقي شرائح المجتمع والمثال الذي يُحتذى بعد تجسيدهم مواقف بطولية هي موضع فخر واعتزاز أغلب أبناء الأمة والصفّ القومي الاجتماعي الذي يقدّر هذه التضحيات ويفخر بها معلناً بأعلى الصوت أنّ هؤلاء هم أبناء النهضة، أبناء العظيم سعاده.
إنّ مبدأ الوحدة القومية تحت راية النهضة، الراية الواحدة، وحده الكفيل بحمل قضيتها وصيانة مصالحها العليا، المبدأ الذي يولّد وحدة شاملة بالقضية نفسها، والمصالح نفسها في كلّ كيان، وفي كلّ منطقة ومدينة وبلدة، الوحدة تولّد الوحدة… ولا يكون قومياً، وبالتالي وطنياً، مَن يعمل لكيانية ضيّقة تحت أيّ ظرف من الظروف، ولا يكون قومياً مَن يعمل من منطلق طائفي أو مذهبي أو عرقي أو طبقي إقطاعي أو ما شاكل.
في الأوّل من آذار، ذكرى ميلاد الزعيم، نتجه بعقولنا وأفكارنا إلى ما ترك لنا من إرث وعقيدة وفكر، نحيي هذه الذكرى، لنؤكد أننا على عهدنا، بررة بقَسَمنا، مخلصون لتعاقدنا.
في يوم سعاده دعوة مفتوحة للبعض، ممن استهوتهم الجزئيات والكيانية، إلى مراجعة الذات، لتصويب المسار، للتراجع عن الخطأ، وصنع الفضيلة بدلاً من الاستمرار في ارتكاب الإثم.
تحية لصاحب العيد، للثمرة التي ولدت وما زالت تستمر في الحياة عصية على الموت بما أعطت حتى الخلود.