أوّل له أوّل… ولا آخر

أمية درغام

اليوم الأوّل من آذار

حسناً حسناً حسناً

لن أحوّلك يا أيها اليوم إلى طقس ديني لأبرّر احتفالي بولادة مفكر في علم الاجتماع، أحدث قفزة في فلسفته ونظرته إلى الحياة.

لن أجادل مَن غلبتهم مشاعر الحبّ فأمّوا العرزال حفاة الأقدام، ودخلوا طريقه كمن يصلّون، واستبدلوا آلهة بشخص، فهم على فطرتهم مثلي، كانوا يبحثون أين يقيم الحق، وفي أيّ منزل يتناولون الخبز والملح والنبيذ، فيثملون من المحبة والنية والإرادة والعمل لنهضة أرادوها بشدّة، إلى درجة أنهم لم يصدّقوا أحياناً أنها تحقّقت بهم.

كان بوسعي أن أتغنّى بكوني ابنة ضهور الشوير، وأنني من تربّى في معابد النور، وإن لم أقِم الصلاة يوماً…

كان بوسعي أن أنظر إلى وسع وطني… سورية الطبيعية…

أقف على مطلّ العرزال، أضرب بعصاتي التي وجدتها عفواً في درب سعاده، وأقول إنني من نسل هذا التراب وأفتخر…

كان بوسعي وكان…

حسناً حسناً حسناً…

كان بوسعي أن أنقلب على ذاتي، أن أتنكّر لتلك النسائم هناك بين شجر الصنوبر، أن أنظر إلى مغارة أوت هارباً من وجه اللاعدالة زمن الاحتلال الذي لم ينته بعد.

كان بوسعي أن أكتفي بأنني مارونية الولادة، فأزهو أمام شعبي أنّ بوسعي ترؤس الجمهورية، وعلى هذا الكرسي الفارغ اليوم تكمن احتمالات استراحاتي.

كان بوسعي أن أبيع التاريخ بأكثر من حفنة من الفضة، أن أجد عائلة بديلة لي ترتع بالطائفية.

كنت سأكون مقبولة أكثر واحتمالات شهرتي أوسع.

كان بوسعي أن أساير التيار، وأبذل كلّ ما عندي لتحيا العبودية، فأتأرجح كما غالبية المراوحين مكانهم، بيني وبين أنانيتي وأتصوّر لتضعوا اسمي في الدفاتر الأبدية.

كان بوسعي أن أستغلّ الدين، أن أطالب بجزء من قالب الجبنة، وأتبجّح بأنني فريدة من نوعي.

كان بوسعي أن أقيم الفِرقة بيني وبين فلسطين القضية.

كان بوسعي أن أنشد بدل النهضة لشعبي وبدل الحق… مزيداً من التقسيم والنيات المبيّتة الأسطورية، أن أقيم الحدّ بيني وبين أيّ كان، ودليلي في يدي، ما كتب على الهوية…

غير أنني ابتليت، وبلواي عظيمة، وفيها فقط أعترف بأنّ الله

فكرة، يبتلي من يحبّ… فابتليت بجوّ كبرت فيه، على علم ولا طائفية، على حبّ يسبق العلم، وعلى دين هو الهوية،

لا على انتماءات تقسيمية…

اليوم الأوّل من آذار، وفي قلبي عتب عليَّ، كيف تمضي السنون؟

ونحن – الأنا في نحن، لا نزال في أوّل الدرب، لأنّ حبل المشنقة أخافنا، لأنّ السجن أرعبنا، لأننا لم نحصل على البندقية…

حسناً…

اليوم الأوّل من آذار، في البال رصاصات وقنابل عنقودية

لا لغواية بالحرب، لا لدفاع من هجوم، في البال رصاصات من معدن مختلف، حتى لو أطلقتها في الهواء، لها دروبها الشقية، فهي طفلة ذكية، تعرف مَن عدوّها، وتُحسن الإمساك بالبندقية…

اليوم الأوّل من آذار، يوم كباقي الأيام، له أوّل وآخر، ولكن ليس لمن ولد، وقدّم دماءه على المذبح، فكان الفيلسوف الممعن في فلسفته، فكراً وقولاً ودماءً…

اليوم الأوّل من آذار، هو أوّل له أوّل، ولا آخر…

درب سعاده

نهضة دائمة

تحرّر وعزة وحرية…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى