اللغو في ربعه الخالي
علي قاسم
رئيس تحرير «الثورة» ـ سورية
لا ينفكّ القاع السعودي يغور في كل مرة أبعد مما كان متاحاً له، ويغالي جبيره في رسم صورة عبثية لواقع يكثر فيه اللغو من دون طائل، وضمن معطيات تزداد فيها حدّة الثرثرة التي لا تخلو من أوهام استطالت إلى حدّ المرض، وتورّمات باتت تشكل خطراً محدقاً.. إقليمياً ودولياً، وهي تمارس طقوسها في التلاعب على حبال النفاق الغربي المتخفي في زوايا المشهد السياسي، كما هو الحال ميدانياً، بعد أن عصفت به رياح الخيبة وأعاصير الفشل لتذروه في جهات الأرض الأربع، وتعيد ما تبقى منه إلى ربعه الخالي.
ورغم التناغم الخفي أو المعلن مع ذلك اللغو أميركياً وغربياً، فإن ما يطفح منه كان يراكم من حجم الخطايا الكبرى، التي مرت على مدى العقود الماضية، حين تحولت مملكة الرمال وبعض المشيخات الموازية لها على خط الوهم الأفقي والعمودي، إلى حالة غير مسبوقة، وربما غير معهودة حتى في العصور البائدة من التخلف والجهل والبدائية، حيث المشاهد المجترّة لا تعدو في نهاية المطاف أكثر من فصل جديد في مسرحية الهزل الغربي، الذي يحاكي ما استطال من أطماعه، وما استوطن من نفاقه.
ما يضيف إلى غلة ذلك النفاق تلك التوصيفات المتعامية عن الحقيقة، وهي تنجرّ خلف أكاذيبَ سعودية تركية متساوقة، تكرّسها تلك التسريبات الغربية عن خطط موازية يتم الترويج لها إسرائيلياً، حيث اليد السعودية تصافح ذراعاً إسرائيلية تتمدّد أمام أعين الجميع وهي تتشابك على خطط العدوان، والتي تعطي للتحذير الروسي إضافات مهمة، وربما تحولات نوعية في إطار محاكاته للمخاطر التي تشكلها السياسة السعودية.. بالتوازي مع الحماقة التركية.
التحذير الروسي من مخاطر التحشيدات التركية ميدانياً، والتحريض سياسياً وإعلامياً ضد الجهد الدولي، لا ينطلق من فراغ، حيث روسيا اعتادت أن تحاكي الأمور، كما يجب أن تكون، ووفق محددات أثبتت مصداقيتها، بل كانت تضبط إيقاع ما يجري في سياق أتقنته الدبلوماسية الروسية إلى حد باتت فيه علامة فارقة بين الاتجاهات العالمية وما يرتسم على هوامشها في المشهد الدولي.
غير أن التحذير، ورغم أنه ليس الأول من نوعه، يكتسب أهمية مضاعفة، حين يأتي في وقت تتصاعد فيه حدّة اللغو السعودي المعلن، وهو يعيد الاجترار في قاع لا يشبه أحداً سواه، بل ليس بمقدور أحد أن يكون في ذلك القاع الذي اعتاد السعودي أن يغرف منه في سنواته الأخيرة، ما يضفي على الصوت الروسي أبعاداً مفصلية في تطور الأحداث، وصولاً إلى ربط خيوط ما يجري بما يتم التخطيط له في الأقبية السرية أو القاعات المغلقة، التي تفتح أبوابها للتسريبات تباعاً.
اللافت أن السعار السعودي التركي يأتي مسبوقاً بحملة إعلامية مسعورة تستهدف الموقف الروسي، وتنشر جملة من الأكاذيب والفبركات، التي تحولت إلى مادة رئيسية على طاولة الإعلام الإقليمي المُصادر غربياً والمملوك خليجياً، خصوصاً في ظل انسجام واضح وحالة من التفاهم إلى حدّ التطابق بينها وبين الصوت الفرنسي، الذي يحاول أن يعتلي بدوره منصة أكبر من حجمه، وأن يتحدث بنبرة تفوقُ قدرته ولا تتوافق مع إمكانياته، مستعيناً بالناتو ومسلحاً بصوت أميركي يشكك، وإن كان لا يريد أن يفك تفاهمه مع الروسي، حتى لو كان قسرياً أو اضطرارياً.
نتف ورقة التوت السعودية، كما هي التركية، تعيد التقاط ما سقط منها وما تناثر، تجمع شواهدها الكاذبة والمخادعة وشرّ ما فيها وما تسرّب من سريتها يفوق بليتها، وهي التي أضحت ورقة في سوق المساومة الغربية، وحالة من الابتزاز على طاولة المشهد الدولي، الذي يعلو فيه صوت نفاق ملوّث، حيث المحاولات اليائسة لستر ما بان من عورات الغرب، وما طفح منه إناء صفقاته المشبوهة مع مشيخات وممالك الظلام قد يفيض عن حاجة ما خاضته من حروب وكالة في الماضي والحاضر، لكنه لا يكفي بالتأكيد للحماية مما هو آتٍ.
اللغو السعودي يسترجع صداه في ربعه الخالي وربما في كله الفارغ، وأكاذيبُ التسريبات الغربية تجرّب عبثية الصيد في ماء عكر، لتطفح السلة الغربية بتمنيات وأضغاث أحلام تتبدد أمام أعينها، فسورية التي كانوا يحلمون بتقسيمها يوماً ومنذ استعمار فرنسا البائد، وربما ما قبله، وقد يكون لهم محاولة وربما محاولات بعده، ستبقى واحدة موحدة، عصية على النيل منها، فيما التهويل والكذب والفبركة عملة كاسدة لا سوق لها حتى لو كَثُر الشراة المأجورون واستشرى الباعة المسترزقون..!!
تنشر بالتزامن مع الزميلة «الثورة» ـ سورية