هل أصبح العدو الصهيوني هو الحليف… والمقاومة هي العدو؟!

د. سلوى الخليل الأمين

نحن العرب… من سلالة عدنان بن اسماعيل بن ابراهيم، من بني نزار ومنها مضر التي منها قبيلة قريش التي منها نبي المسلمين محمد بن عبد الله، وقد توزّعوا قديماً في تهامة والحجاز والعراق والجزيرة وسورية، وبعد الإسلام في عموم الأقطار.

والعرب ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: عرب بائدة، وعرب عاربة، وعرب مستعربة، فالعرب البائدة هم من ورد ذكرهم في القرآن حيث بادوا عقاباً على كفرهم، والعرب العاربة هم الذين ينتسبون إلى جدّهم الأكبر قحطان، أما العرب المستعربة فهم الذين ينتسبون إلى جدّهم عدنان بن إسماعيل.

والعرب فرع من الشعوب السامية، نسبة إلى نسبهم إلى اسماعيل، الذي كان أول من تكلم اللغة العربية وكان عمره 14 سنة، وهو الجدّ الأول للعرب المستعربة.

أما البادية فهي بادية الشام وامتدادها الجزيرة العربية برمّتها، وقد دعيت منذ الإغريقية باسم العرب «باللاتينية Arabia». وقد سكنها العرب من بدو ومن حضر، والحضر هم الذين تعاطوا التجارة ولم يكونوا عرباً مرتحلة، أسّسوا ممالك قبل الميلاد، أقدمها مملكة «لحيان» في القرن الرابع قبل الميلاد وقبيلة «كنده» في القرن الثاني قبل الميلاد. أما بعد الإسلام… وتحديدا في العصر الأموي تمكّن المسلمون من بناء أمبرطورية واسعة ومزدهرة حضارياً، خصوصاً في دمشق والأندلس، وبعدها في العصر العباسي وحاضرته بغداد، بحيث تمكنت سيادتهم هذه، من إفراز حضارة غنية، تمازجت مع الشعوب الأخرى عبر حدود امتدّت من فرنسا جنوباً إلى الصين شرقاً، ومن آسيا الصغرى شمالاً إلى السودان جنوباً، وشكلت واحدة من أكبر الأمبرطوريات اتساعاً في التاريخ». المرجع الويكيبيديا/ عبر الأنترنت».

أسوق هذه المقدّمة التي قلما يلتفت إليها حالياً من هم في سدّة الحكم ومن يعتلون العروش، الذين يتجاهلون التعمّق في مجريات التاريخ قديمه والحديث، وذلك من أجل أن يتعلّموا دروساً في بناء حضارة هذا الوطن الممتدّ من الخليج إلى المحيط، تنفعهم في مسارهم السياسي الذي أتاهم على حين غرة، فالتثقف السياسي والحضاري والتاريخي، والتعمّق في دراسة حوليات التاريخ ومساراته المتعدّدة، ضرورة وطنية ماسّة، لمن اعتلى المواقع المتقدّمة في الوطن، إذ لا يكفي ما يمليه عليهم المستشارون، الذين هم في الأعمّ الأغلب حاشية منافع ليس إلا.

فما معنى أن نشهد هذه الحروب المتنقلة من بلد عربي إلى آخر، وبأيد عربية، وضمائر عربية مسمومة، وعقول عربية تحمل الشرّ آلة هدامة لكلّ ما بناه الأجداد من تاريخ عريق، ما زال محط اعتبار لدى الدارسين والباحثين من المستشرقين والعلماء الأجانب بمختلف جنسياتهم، وإنْ عمدوا، عن عمد، إلى طمس حضارتنا وتشويه حقائقها، وذلك عبر مصطلحات وتسميات مضللة ومشوّهة، كوصف أمتنا بالشرق الأوسط، أو حضارتنا بالحضارة السامية، أو تسمية شعوب هذه الأرض العربية بشعوب الشرق أوسطية، وهذه كلها لا تمتّ بصلة إلى هذه الأمة العربية.

فلتاريخه ما زال الغرب المستعمر، الذي عمل سابقاً على منح فلسطين «وطناً قومياً لبني إسرائيل»، يعمل على مسخ تاريخنا وحضاراتنا وقيمنا ومبادئنا وإسلامنا ومسيحيتنا وحتى أفكارنا التقدمية العصرية، من أجل أن يسود على هذه الأرض، ويجعل أهلها أفرقاء متناحرين ومتباعدين كأيدي سبأ.

كما هو معروف هناك قوى خفية تدير هذا العالم، وتهلك من تريد من شعوبها وفي طليعتهم الشعب العربي، لهذا ما زالت منطقتنا العربية غارقة في أتون من النار، ومن الخلافات المذهبية والمشاكل السياسية التي لا حدود لها ولا نهاية، كما هو ظاهر حالياً على الساحات اللبنانية والسورية والعراقية واليمنية والليبية.

ففي لبنان يعلو الغلوّ في العداء للدولة الإسلامية الإيرانية عبر وصفها بأبشع النعوت من مجوس وصفوية وغيرها، كأنّ إسلام إيران لا يمتّ بصلة إلى نبي الإسلام محمد وشرع الله المحدّد في كتابه الكريم وسنّة رسوله. وهذا العداء المستحكم لإيران لم يحصل سابقاً في عهد الشاه والتاريخ يشهد، إنما يحصل اليوم بسبب معاداة العهد الإيراني الجديد للغرب وللصهيونية العالمية، والمساند بقوة لفلسطين وعودتها إلى حضن العروبة، وعودة أهلها المشرّدين في أقطار الدنيا إلى بيوتهم وأرضهم وحاراتهم وبيّاراتهم، وهذا أمر لا يؤخذ بعين الاعتبار في عرف البعض من المسلمين العرب واللبنانيين، الذين فطنوا أخيراً لعروبتهم التي لم تلتفت إلى قضية فلسطين التي هي بوصلة العروبة.

ماذا تعني العروبة إذاً؟ وما هو واجبكم كعرب؟ هنا يرتسم السؤال، خصوصاً ونحن نشهد الحرب المستعرة دون هوادة ضدّ سورية المقاومة، وضدّ سلاح حزب الله ومقاومته الشريفة، وضدّ توحيد العراق وعدم مذهبته وتفتيته، وضدّ اليمن وحضارته المتجذّرة في عمق التاريخ العربي. فكيف لمن يدّعي العروبة أن يتجاهل هذه الكوارث التي استجدّت بعد ضياع فلسطين، والعمل على مذهبة كلّ خلاف بين الأخوة في الدين، والأشقاء في الحسب والنسب القرشي العربي؟ ولماذا استثارة النفوس الأمّارة بالسوء والشرّ من أجل زعزعة الأوطان وتدمير مقوّماتها العمرانية والعلمية والمعرفية ودفنها في مهاوي النسيان؟

إنّ التسربل برداء العروبة والوطنية يقتضي من الجميع التدثر بأردية العافية العقلية، التي تضع الضمير على المحك، حين الدم المنثال على هذه الأرض هو دم عربي، وحين الإرهاب المتنكر بلبوس الدين الإسلامي هو مجموعة مرتزقة من مجرمي العالم، استجلبوهم إلى ديار العرب من أجل القضاء على كلمة سواء تجمع أبناء الأمة وتجعلهم قوة ضاربة في وجه كلّ من يريد بهم شراً من بني صهيون ومن الأعداء المستعمرين الطامعين بثروات العرب المادية والبشرية.

لهذا، فإنّ تحقيق الأهداف السياسية والمغانم المادية لا يكون على حساب الوطن والشعب، الذي يرصد بدقة أصوات التعصّب، المبطنة بالحقد على الشقيق في الوطن، لمجرد أنّ له رأيه الخاص في معتقده الديني أو السياسي. خصوصاً أنّ الصراعات السياسية والانقسامات الفئوية والدينية والاتهامات المتنقلة كلها سلاح هدام يضرّ بمطلقيه، كما يضرّ بمن يروّجه ويتبناه، لأنّ النهاية موجعة للجميع، فالكلّ متضرّر، والكلّ على فوهة البركان قابع، والكلّ سيرمى بحجارة من سجيل، إذا ما كانت أفعاله وأعماله وأفكاره وحوليات ضمائره تصب في خانة خراب الوطن وتفتيت الشمل، وعدم احترام صلة الرحم التي أوصى بها رب العالمين، كما رعتها وصانتها كلّ القيم الأخلاقية والسلوكية من أجل أن يبقى في النهاية: الدين لله والوطن للجميع.

ثم هل من الضروري أن يجعل رموز السياسة في لبنان إيران هدفهم الأول في السباب والشتم والإهانات المتكرّرة، علماً أنّ لإيران تمثيلاً دبلوماسياً في لبنان، وهذا التمثيل يفرض على السياسي أيّاً كان موقعه أو رتبته أن يحترم هذه الدولة ولا يسيء إليها بالشتائم التي تمسّ عقيدتها الدينية، كذلك العكس هو الصحيح، لكن علينا أن نتذكر أنّ البادئ أظلم، وأنّ الكيل حين يطفح على الآخرين، يجب محاسبة المسبّب الذي أودى بهم إلى هذا الدرك من تبيان الفضائح، التي كانت مخفية في زمن ما، ضمن دائرة الاحترام المتبادل.

إذاً، من يهين السعودية اليوم هم مناصروها ومن لعقوا أموالها ومن جعلتهم رموزاً يسطرون سياستها على الساحة اللبنانية المفتوحة لكلّ الاتجاهات الفكرية والسياسية والعقائدية، بحجم ما يقبضونه منها من أموال، حين أنه لا يمكن لأيّ دولة مهما عظم شأنها كإيران أو السعودية أن تنال من لبنان وتراً، لا يمجّه اللبنانيون الذين هم أهل فكر وقلم وضمائر حاضرة وعقول نيّرة، لأنّ لبنان وطناً للجميع مهما بالغ غلاة السوء في جرّه إلى الهاوية، بهدف تعبئة الخزائن من ثروات السعودية، التي لم تحسن لتاريخه اختيار مناصريها على الساحة اللبنانية، الذين جعلوا ذمّهم للمقاومة وقائدها السيد حسن نصرالله خرطوش رصاصهم اليومي، وهذا الفعل لا يعترض عليه الشيعة فقط، إنما كلّ مناضل عربي ما زال يقرّ ويعترف بأنّ معيار العروبة والنضال هو فلسطين وليس الجيوب الآسنة.

لهذا يجب العودة إلى ما يطرحه باستمرار دولة الرئيس نبيه بري لجهة أنّ الوضع المأزوم في لبنان والمنطقة لا يمكن حله وحلحلته سوى بتوافق السعودية وإيران، هاتان الدولتان المسلمتان في منطقة تعاني من العدو الصهيوني واستكبار الدول العظمى الذين يدركون أنّ حين تحلّ قضية فلسطين ينتفي وجود السلاح ويعود كلّ مجاهد ومقاوم إلى حياته الخاصة وعائلته، كي يمارس ثقافة الحياة الغنية بالفرح من جديد، فليس من إنسان يهوى الموت، وليس من إنسان يشتهي اليتم لأطفاله والترمّل لزوجته والألم لأمه وأبيه وعائلته أجمع. فيا جماعة من تسمّون أنفسكم أهل السنة والسنّة منكم براء، ليكن في علمكم أنّ كلّ مسلم أكان شيعياً أم سنياً أم إسماعيلياً الخ… هو من أهل السنّة، لهذا عليكم بتحكيم العقل كي تمارسوا عروبتكم التي جعلتموها ولو متأخراً شعاركم المستجدّ حين كلّ الظواهر الميدانية، تشير إلى تعاونكم مع العدو الصهيوني، في الوقت الذي تشتمون فيه المقاومة ومن يدعمها كإيران وسورية، لهذا كي تثبتوا عروبتكم ولبنانيتكم يجب الاعتراف بأنّ «إسرائيل» هي العدو وليس المقاومة يا جهابذة السياسة في هذا الزمن الرديء.

رئيسة ديوان أهل القلم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى