عيون الغاز والطاقة في القرار 2268 والقاضي بوقف الأعمال العدائية شهوة شبقة للسيطرة على الاحتياطي الاستراتيجي للطاقة 1
محمد احمد الروسان
لنفكّك المركّب ونركّب المفكّك في مشروع الغاز الإيراني – العراقي السوري والذي جمّد لجهة شقه العراقي السوري فقط، ما قبل الحدث الاحتجاجي السياسي السوري والتصعيد في الساحة السياسية السورية كساحة خصم من قبل الطرف الثالث الآخر بفترة من الزمن، وقّع في ما مضى وزراء النفط في إيران والعراق وسورية اتفاقية بقيمة تزيد عن عشر مليارات من الدولارات، لنقل الغاز الإيراني إلى القارة الأوروبية عن طريق العراق وسورية ولبنان ليُصار الى نقله عن طريق البحر الأبيض المتوسط إلى الغرب وتحديداً القارة الأوروبية، وكلّ ذلك عبر مشروع خط عملاق يربط إيران والعراق وسورية ولبنان لتصدير الغاز الى وجهته وحسب اتفاق الأطراف، مما يجسّد الربط الاستراتيجي في تكتل سياسي اقتصادي فريد من نوعه.
بناءً على ما سبق من تحليلات ورؤى سياسية لنا، وعلى مدار سنوات الحدث السوري وأسبابه وارتباطاته بالإقليمي والدولي، وفي ظلّ القرار الأممي الأخير 2268 القاضي بوقف الأعمال العدائية في الداخل السوري، والتأكيد من خلاله على ضرورة تطبيق القرار 2254 والقرار 2253 وباقي القرارات، كنتاج للتفاهم الروسي الأميركي، ولشروط التسوية السياسية وملاحقها وما تمّ الاتفاق والتفاهم عليه في عام 2013، عبر مسألة نزع السلاح الكيميائي السوري والذي جاء تحوصلاً وتموضعاً، لمبادرة سورية روسية مشتركة لم تلتزم الولايات المتحدة الأميركية ببنودها السريّة حتّى اللحظة، صار الجميع بمن فيهم السذّج في المجتمعات والذين تتمطى رقابهم كالعوام، وعبر جلّ الوقائع الميدانية كمؤشرات، صاروا يعرفون أنّ ما يجري في سورية هو في الحقيقة، عملية أخرى من العمليات السرية الاستخباراتية الدموية، المدعومة أميركياً وبريطانيّاً وفرنسياً وإسرائيلياً، بالتحالف مع البعض العربي المتخاذل والمرتهن للإطاحة بالسلطة في سورية قلب الشرق وعقله، نظراً لحقيقة أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي بحكم الواقع إمبراطورية الشرّ العالمية، بلبوس ديمقراطي ليبرالي إنساني بشعار الحاكمية الرشيدة، مع كلّ ما تملك من قوّة، بنى تحتية ونفوذ، فهل من الصعب عليها أن تقوم بتصنيع «ثورة» في أيّ بلد؟ وسورية أنموذجاً؟ وللعاصمة الأميركية واشنطن دي سي شهوة عميقة شبقة لاحتياطي الطاقة عصب الصناعة الغربية، وهي ذات الشهوة التي يشتهيها خصومها من الطرف الآخر، والصراع على شهوة شبقة للاحتياطي الإستراتيجي للطاقة في منطقة الشرق الأوسط، قد يشعل حرباً عالمية ضروساً وعميقة وقد تنهي العالم!
لكن وبسبب ما يجري في المنطقة الشرق أوسطية من أحداث بفعل عوامل داخلية وخارجية أكثر من الداخلية، وخاصة عبر الحدث الاحتجاجي السياسي السوري، فإنّ هذا الخط الاستراتيجي العملاق بات يعاني من تحوّلات طارئة ذات بعد حربي استعماري مع تحدّيات في محطات إنشائه وأهميته لدول وشعوب محطات خط أنابيب الغاز هذا. هذا الخط حظي خلال فترة ما قبل حراكات الربيع العربي وما زال ازداد الاهتمام الإيراني به بعد دخول الاتفاق النووي حيّز التنفيذ، وستكون هناك انطلاقات إيرانية محدّدة في هذا المجال بعد الانتهاء من العملية السياسية الجارية في إيران بخصوص انتخابات الشورى ومجلس الخبراء باهتمام طهران وبغداد ودمشق وبعض الدول الأخرى مثل لبنان، كما أثار اهتمام مسؤولي السياسة والطاقة في أوروبا قاطبةً، لكن خلال عتبة السنوات الخمس الماضية والمستمرة، اصطدم هذا المشروع بتحديات جديدة بعد التغيّرات الحاصلة في المنطقة خاصة في سورية وعبر حدثها، حالياً هناك ثلاث دول لها رأي آخر في هذا الموضوع واستمرّت بإجراء محادثات في سياق تنفيذ هذا المشروع خطوة بخطوة رغم التحديات، وبعيداً عن التنسيق الموحد بين الدول الثلاث، يبذل العراق وإيران مساعي كبيرة في سبيل تنفيذ هذا المشروع الاستراتيجي رغم التآمر الخليجي الغربي الصهيوني.
بلا شك أنّ لطهران أهدافاً عميقة واستراتيجية من وراء إتمام ما تمّ الاتفاق عليه في إنفاذ وإتمام خط الأنابيب الغازي الاستراتيجي هذا، حيث تعتبر إيران بعد روسيا الفدرالية ثاني أكبر دولة في العالم من حيث امتلاك منابع الغاز، ولديها قدرة على تأمين جزء كبير من احتياجات القارة الأوروبية من الطاقة عن طريق خط أنابيب غاز يصل إلى أوروبا مثل خط «ناباكو»، لكن معارضة الولايات المتحدة الأميركية وعبر المؤسسة الأمنية والرئاسية العميقة فيها وعبر مفهوم الدولة العميقة، كأذرع لعنكبوت المجمّع الصناعي الحربي الاقتصادي الأميركي، كأداة للبلدربيرغ الأميركي، حيث اقتصاده اقتصاد حروب ليس الاّ وإلى حدّ ما أوروبا الغربية، حرمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية من التحوّل إلى قوة من خلال تصدير الغاز فتمّ التصعيد في الساحة السورية وعبر حرب كونية بالوكالة عبر بعض العرب، وتسعى طهران التي تستحوذ على حصة صغيرة من تجارة الغاز العالمية من خلال خطة استراتيجية تعنى بالتنمية الداخلية في الداخل الإيراني، وانْ لجهة بعض ساحات مجالها الحيوي لرفع حصتها من هذه التجارة اندفاعة إيرانية مدروسة جارية بمعادلة رياضية: واحد + واحد = 2، من هنا يمكن أن نفهم تصريحات وزير الخارجية الإماراتي وتحذيراته وطلبه من الروسي وضع حدّ للجم إيران بحكم علاقاته معها، لكن هذه الدعوات وغيرها لم تلق آذاناً صاغية لدى موسكو .
بالرغم من الظروف السياسية والاقتصادية والعقوبات المفروضة في السابق على طهران، من قبل ما يُسمّى المجتمع الدولي أميركا + إسرائيل + الاتحاد الأوروبي ، والتي أدّت إلى عدم تمكّن طهران من لعب دور بارز وخلّاق في سوق الغاز العالمي بعد رفع العقوبات الانطلاقة تجري على قدم وساق، أنظروا غزل الاتحاد الأوروبي الاقتصادي مع طهران ، إلا أنّ خط غاز الصداقة والذي يجري تفعيله من جديد بعد دخول الاتفاق النووي مجال التنفيذ، الذي سيصل إلى القارة الأوروبية العجوز، من شأنه يمكن أن يضاعف من حصة إيران في التصدير، ونظراً لوجود تحديات وعقبات أمام «خط ناباكو» تأمل طهران أن يصل خط الغاز الإيراني العراقي السوري في المستقبل إلى اليونان وايطاليا.
في سياق آخر أكثر عمقاً وتساؤلاً، بالرغم من أنّ لتركيا دوراً هاماً في ترانزيت الغاز إلى القارة الأوروبية محطّة ترانزيت هامة من الممكن أن تتحوّل الى دولة ثرية ، إلا أنّ الدول المنتجة كإيران والمستهلكة للغاز كدول الاتحاد الأوروبي تخشى من الدور المتعاظم لتركيا في الأسواق العالمية كدولة ترانزيت لنقل الغاز، في ضوء هذا تستطيع إيران التواجد بقوة في الأسواق الإقليمية والأوروبية من خلال مدّ خط الأنابيب السابق خط الصداقة وبصرف النظر عن فائدته الاقتصادية يحاول الإيرانيون زيادة نفوذهم السياسي، بالرغم من أنّ العلاقات التركية الإيرانية فوق الطاولة تعاون وتحت الطاولة صراع بأشكال متعددة ومختلفة، لا يخفّف منها سوى خطوط علاقات مجتمع المخابرات التركية بنظيره الإيراني، عبر تنظيم هذا الصراع لا وقفه.
إيران… تحسين المواقع
تعي طهران جيداً الظروف الأمنية في الغرب وسورية، وتداعيات ذلك على العراق ولبنان والأردن والمنطقة ككلّ، لكن كخطوة أولى تفكر بتنفيذ سريع لخط الأنابيب ليصل إلى العراق، وعلاوةً على اتفاقية الغاز الأخيرة التي وقعت بين بغداد وطهران، فإنّ صادرات الطاقة الإيرانية إلى جانب التطورات الحاصلة في خط أنابيب غاز إيراني آخر مع باكستان تزيد نوعاً ما من قوة وقدرة دبلوماسية الغاز الإيراني مقابل المنافسين الإقليميين، كما تساهم في تحسين موقع إيران في كسب أسواق غاز جديدة في المنطقة والعالم.
وللجمهورية العراقية أهداف استراتيجية جمّة عبر هذا الخط الاستراتيجي، وكون العراق يحتلّ المرتبة الثالثة عشر بين الدول التي تعتبر منبعاً لاحتياطي الغاز في العالم، إلا أنّ هذه المنابع ما زالت إلى حدّ كبير دون استثمار، من هنا صار العراق أولوية أمن قومي أميركي أكثر من سورية، لذا هي تعود الى العراق من جديد وتعزّز تواجدها عبر محاربتها لأبنائها الدواعش، وتعلم أنّها لا يمكن أن تقضي على الإرهاب في العراق دون القضاء على الإرهاب في سورية، فجاء التفاهم الروسي الأميركي وصدر القرار 2268، لكي تتفرّغ واشنطن لإيران من العراق وللتغلغل فيها لتفجيرها من الداخل، واللعب على أوتار الطبقة الوسطى، والتي يمكن الرهان عليها لإحداث التغيرات السياسية المطلوبة، وعبر استراتيجيات التطبيع الناعم كنتاج لدخول الاتفاق النووي حيّز التنفيذ. وخلال السنوات الأخيرة خطت الحكومة العراقية خطوات في مجال إنتاج وتصدير الغاز، عبر إجراء مناقصات لتسليم حقول الغاز إلى شركات دولية، ومع ذلك ما تزال تواجه أزمة مع تصاعد الطلب الداخلي على الغاز، كما تتطلع بغداد إلى قضايا أخرى كحقها في عبور الغاز الإيراني من خلال أراضيها إلى غرب آسيا حتى أوروبا، كما تتطلع في المستقبل للمنافسة مع تركيا للعب دور في ترانزيت الغاز وتصديره عن طريق هذا الخط إلى غرب آسيا ومنها إلى أوروبا. السوريون قياساً بالعراقيين وغيرهم، لديهم كميات غاز مثيرة للاهتمام، لكنهم بالإضافة إلى تأمين احتياجاتهم من الغاز من خلال مشروع خط الآنابيب ذاك، يفكرون بنقل الغاز بالعبور إلى الأردن ولبنان لبنان لديه كميات غاز ليست بالقليلة وكذلك يفكرون بتصديره عبر موانئهم إلى جنوب أوروبا. لكن مع ظهور تحدّيات أمنية تركز دمشق على حضورها في هذا المشروع، لأنه في حال إحلال الاستقرار وتأمين الأمن في سورية سيكون لدمشق مشاكل حادّة ومتصاعدة مع تركيا، مما سيصعّب أيّ شكل من أشكال تبادل الطاقة بين البلدين، لذا تنظر دمشق بجدية كبيرة لخط الغاز الإيراني العراقي السوري. وعلى الرغم من أنّ العلاقات السياسية المتميّزة بين إيران والعراق وسورية تستطيع أن تسّرع من إنهاء خط أنابيب الصداقة، لكن ما تزال هناك تحديات كبيرة متعدّدة تلقي بظلالها على هذا المشروع الاستراتيجي، وفي سياق آخر يجب بحث الشروط القانونية ودراسة كيفية التنفيذ وتأمين رأس المال اللازم للتمويل وقضايا أخرى، مثل الأمور المالية وقيمة الترانزيت وضمان تصدير النفط والغاز، وبالرغم من المسافة البعيدة التي تفصل عن تنفيذ خط أنابيب غاز العشر 10 مليار دولار الإيراني العراقي السوري، إلا أنّ أهمّ تحدّ يواجه هذا المشروع هو التعقيدات الأمنية في العراق والمحافظات الغربية المضطربة والمشكلات الأمنية على الحدود العراقية السورية وعدم اتضاح صورة الحرب الكونية على وفي سورية، بعبارة أخرى سيكون أهمّ تحدّ أمام إنشاء خط أنابيب الصداقة هو كيفية تأمين أمن هذا الخط، لذلك تسعى بعض الأطراف الخليجية الأطراف الثالثة في الحدث الأحتجاجي السياسي السوري وكعنوان وهدف فرعي، لكنه على مستوى عال من البعد الاقتصادي الاستراتيجي، الى التصعيد تلو التصعيد وعبر سورية كساحة خصوم الى افشال هذا المشروع الاستراتيجي، وتحاول وضع العصي في دواليب تنفيذ القرار الأممي الأخير 2268 القاضي بوقف الأعمال العدائية والذي جاء كنتاج للتفاهم الروسي الصيني ممكن أن تكون الأمور قد حسمت الى حدّ ما في بعض الملفات، فعلاً عندما يتفاهم الكبار العظام، لا وجود ولا دور للصغار .
محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية
www.roussanlegal.0pi.com
mohd ahamd2003 yahoo.com