تنصّل من الحوار مع عون ورمى الكرة في ملعب المسيحيين إيجابيّات الحريري في ملف الإرهاب أسقطها التنكّر لدور حزب الله

حسن سلامه

ما طرحه رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري في ما وصفه «خريطة طريق» للخروج من الأزمة، لم يشكل نافذة ولو صغيرة لفتح ثغرة في المأزق المتعدد الوجه الذي تعيشه البلاد، بل هو يزداد تأزماً نتيجة مواقف 14 آذار وبخاصة المايسترو الثنائي لهذا الفريق، أي فؤاد السنيورة وسمير جعجع.

بغض النظر عن نوايا الحريري، وما إذا كان يريد فعلاً الخروج من مأزق انتخابات الرئاسة كمدخل لحلحة الاستحقاق الأخرى، فإن ما طرحه لا يمكن أن يشكّل مدخلاً للحل، بل يأخذ البلاد، ومثلما قالت «البناء»: من الفراغ إلى الفراغ. وهذا الاستفتاء تعيده مصادر سياسية مخضرمة إلى عدد من الثغر والتعقيدات التي تحيط بما أعلنه كخريطة طريق، وفق الآتي:

ـ خلا طرح الحريري من أي اقتراح ملموس يفضي إلى الدخول الجدي في حل أزمة الرئاسة أو حتى فتح أفق الحوار وصولاً إلى توافق حول شخصية مقبولة من أكثرية اللبنانيين، سواء كان العماد ميشال عون أو شخصية أخرى تشكّل ضمانة لـ«الجنرال».

ـ إن رمي «كرة الانتخابات» إلى ملعب الأطراف المسيحية يعني البقاء في دوامة الوضع الراهن، بل يبقي الاستحقاق الرئاسي رهن مزاجية رئيس حزب القوات سمير جعجع الذي يرهن هذا الاستحقاق لمصالحه وحساباته الشخصية والحزبية. وتقول المصادر إن المستنتج من كلام الحريري حول انتظار توافق المسيحيين أمران، الأول أنه ينعي الحوار مع التيار الوطني الحر حول الملف الرئاسي تحديداً، والثاني أنه يقول للعماد عون: عليك أن تتفق مع جعجع على مقاربة معينة لإنهاء أزمة الرئاسة. في حين يدرك الحريري أن الوصول إلى توافق بين عون وجعجع شبه مستحيل، لأن رئيس «القوات» لا يقر بما يمثله عون مسيحياً، بكونه الأقوى نيابياً وشعبياً، حتى لو ذهب «الجنرال» إلى التنازل عن ترشيحه لمصلحة شخصية مارونية موثوقة من قِبَله.

ـ إن ما طرحه الحريري لم يفترض أن أزمة الرئاسة يمكن أن تستمر لبضعة أشهر، وبالتالي لم يطرح مقاربات للاستحقاقات الأخرى، من تعطيل التشريع في مجلس النواب إلى جعل مجلس الوزراء أشبه بمجلس تصريف الأعمال، إلى جميع الاستحقاقات المعيشية والمطلبية. وحتى ما يتعلق بجزء أساسي من الجانب الأمني، رغم إقراره بمحاربة الإرهاب وبأن تتولّى الأجهزة الأمنية الرسمية الدور وحيدة في ذلك. وتشير المصادر إلى أن تجاوز الحريري ما يحصل من تعطيل لمجلسي النواب والوزراء من قِبل الفريق الذي ينتمي إليه، هو مؤشر سلبي إلى أن «المستقبل» لن يسير في عقد جلسة تشريعية للمجلس إلاّ وفق الشروط التي يطرحها «المايسترو» فؤاد السنيورة، وبحسب معلومات المصادر فإن الحريري سلّم في الاجتماع الذي عقده الأسبوع الماضي مع السنيورة بما طرحه الأخير حول الجلسة التشريعية. فالسنيورة قال للحريري خلال الاجتماع: لا مصلحة لنا في السير بعقد جلسة تشريعية لقوننة الرواتب ما لم يُصر في خلال الجلسة إلى إجراء قطع حسابات من العام 2005 وحتى اليوم. لأن السير في القوننة من دون قطع الحساب يشكّل إدانة لسياسات الحكومات التي ترأسها هو، أي السنيورة، وتلك التي ترأسها الحريري، وتشكل حتى إدانة لـ«المستقبل». فوافق رئيس «المستقبل» على هذا الطرح وترجم موافقته بعد عودة الوفد من السعودية عبر بيان كتلة «المستقبل» ومواقف نواب الكتلة.

لذا، تعتقد المصادر أن «خريطة الطريق» التي طرحها الحريري لم تأت بجديد في ما خص أزمة الرئاسة. وبالتالي لا توقعات لجهة تحريك هذا الملف ولا مقاربات جدية للانتخابات الرئاسية.

الشق الآخر الذي تناوله الحريري في كلمته في إفطار «المستقبل» يتعلق بمحاربة الإرهاب والوضع في طرابلس. فهذا الكلام يحمل بحسب المصادر شقين، أحدهما يمكن النظر فيه بإيجابية، والآخر لا يخدم إبعاد لبنان عن أخطار الأعمال الإرهابية.

ففي الشق الأول، تقول المصادر إن اعتراف الحريري بضرورة محاربة أوكار الإرهاب وإبعاد أخطاره عن لبنان، مسألة تسجل له، وإن جاءت متأخرة. والأمر ذاته في ما يتعلق بدعم عمل الأجهزة الأمنية لمنع خربطة الأوضاع في طرابلس من قِبل الجهات المتضررة من الخطة الأمنية، علماً أن ما حصل في السابق من حروب عبثية شهدتها المدينة كان لـ«المستقبل» وقيادييه في طرابلس دور محوري في إدارته وتغطيته وتمويله.

أما الشق الآخر السلبي فهو أيضاً ذو بعدين يتعلق أولهما بالأجهزة الأمنية إذ تجنّب الحريري الإشارة إلى أهمية دعم هذه الأجهزة بالعديد والعتاد، رغم تأكيده على أن الأجهزة هي الجهة الوحيدة المنوط بها حفظ الأمن ومحاربة الإرهاب، فلم يلاق ما يطالب به الرئيس بري دوماً حول ضرورة تعزيز القوى الأمنية بالعدة والعديد. والشق الآخر السلبي حملته غير المبرّرة على الدور الذي قام ويقوم به حزب بالله في محاربة الإرهاب في بعض مناطق لبنان وفي المناطق السورية المحاذية للحدود مع لبنان. رغم أن الحريري وجميع قيادات تياره، خاصة المعنية بالأمن، على معرفة تامة بأنه لولا الدور المحوري الذي يضطلع به حزب الله في محاربة الإرهاب لاستباحت «داعش» و«النصرة» الكثير من المناطق اللبنانية، على نحو ما حصل حديثاً في العراق. والأدلة والبراهين على ذلك بالعشرات، وليس أقلها ما كان يعدّ الأسبوع الفائت لبعض القرى المسيحية في البقاع الشمالي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى