هل تنجح السعودية في استمالة «سُنّة» 8 آذار؟
روزانا رمّال
قرارات بالجملة بحقّ حزب الله ضمن حملة تضييق مُفترضة تشنّها السعودية عليه في سياق نهج مغاير سلكته وحتّم عليها التحرك مباشرة، بعدما كانت قد اعتمدت وكلاء فشلوا في إحداث فارق في التوازنات في أكثر من دولة تعتبرها السعودية امتداداً لنشاط الحزب، خصوصاً في لبنان. فالحملة ضدّ دخوله إلى سورية والعراق عبر معارضات مسلّحة ومجالس سياسية محلية تهاجم نشاطه وامتداده إيرانياً فشلت في إحداث أي أذى يُبنى عليه، حتى بات دخولها بشكل مباشر ضرورة، وفق حساباتها، رغم الدعم اللوجستي الكبير الذي حظيت به مجموعاتها من فرق «إسرائيلية» وحلفاء واشنطن المدرّبين الذين تابعوا تحركات قادة الحزب في سورية والعراق بشكل حثيث.
تدرك السعودية أنّ الميدان هو ساحة حزب الله، حيث لا مجال لإحداث نصر كامل عليه، لكنها تدرك أيضاً أنّ النجاح في استهدافه، وإنْ جاء من بعض الجوانب، هو استهداف مباشر لإيران. فالحاجة إلى نقاط سعودية في وجه الصعود الإيراني لها حساب خاص بشكل أو بآخر، مع أخذ الرياض بعين الاعتبار أنّ الحزب حاجة لإيران والعكس صحيح أيّ أنّ العلاقة بين الطرفين ليست بين ممثل سياسات خارجية ومرجعية بل بين طرفين يتكاملان في صناعة موقف محور سياسي.
وتأتي سياسة المملكة المستحدثة اليوم بشكل مغاير، لما كانت قد انتهجته سابقاً أو جرّبته في ساحة الاشتباك السياسي، وتتمثل إضافة إلى استفزازات معنوية قطع السيّد نصرالله عليها الطريق مناطقياً، بفتح قنوات تواصل مع حلفاء حزب الله من فريق الثامن من آذار بشكل يؤدّي إلى استدراج بعضهم عبر إغراءات ومواقف تضرب على الوتر الحسّاس فتكشف عن تقبّل لمرور مصالحهم السياسية.
هكذا فعلت المملكة مع النائب سليمان فرنجية عندما دعمت طرحه لرئاسة الجمهورية في محاولة كادت تحدث خلافاً بين الحلفاء وحزب الله، إلا أنّ الحزب كشف عن قدرته على الالتفاف بشكل غير مسبوق واستثنائي على علاقته بكلّ حليف حتى لو تخاصما في ما بينهما، بمعنى آخر استطاع حزب الله أن يكون مرجعية، بعد أن كانت السعودية تريده أن يكون مؤسّساً لخلاف بين عون وفرنجية، من دون أن تنجح المملكة في إحداث شرخ بين المسيحيين وحزب الله.
لم تنجح سياسة الرياض في أخذ فرنجية إلى التطرف بمواقفه والتنصّل من حزب الله، حتى ولو رأى فيها مصلحة كبرى لحيثيته السياسية تخدم وصوله إلى الرئاسة، بدليل رفض فرنجية دعوة الحريري له للنزول إلى مجلس النواب لانتخابه رئيساً في جلسة الأمس.
تجهد السعودية لتقديم حزب الله كحزب متطرف معزول من حلفائه المسيحيين خصوصاً، وعلى اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم عموماً، فالصورة الجامعة التي يضمّها حلفه السياسي تجعل منه مرجعية سياسية كبرى تتناقض مع تصويره منظمة متطرفة وإرهابية منبوذة من شريحة واسعة من اللبنانيين.
تلجأ السعودية إلى خلق تكتلات مذهبية بحجة ضرورات الحوار في لبنان، وهي في هذا الإطار تغطي الحوار مع حزب الله الذي لا يزال غير مفهوم أو مفسّر لناحية الصمود والتغطية الإقليمية التي يجب أن يراعيها الحريري. من هنا فإنّ السعودية ومعها الولايات المتحدة عملت على تنفيذ أمرين أساسيّين كلّ بأدواته أولهما وحدة المسيحيين، فتمّت المصالحة المسيحية، والثانية تتمثل اليوم بمحاولات جمع السنّة المتخاصمين ضمن لقاءات ثنائية مع رموز من الفريق السعودي في لبنان وكله تغطيه ضرورة الحوار وسط الأزمات الإقليمية.
يتكرّر اليوم مع الوزير السابق عبد الرحيم مراد سيناريو فرنجية نفسه، فيستقبله الحريري بحضور وزير الداخلية نهاد المشنوق، ويعلن مراد بعد اللقاء عن اتفاق بين الطرفين على أن تكون الكلمة موحّدة، على الصعيد السنّي والوطني. كما أكد أنه «لا يجوز أبداً، إلا أن تكون علاقاتنا جيدة ومتينة مع المملكة العربية السعودية، حتى أنّ اتفاق الطائف نفسه نصّ على أن تكون علاقاتنا جيدة مع كلّ الدول العربية ومميّزة مع سورية».
لا يُخفي مراد عتبه على بعض قادة الثامن من آذار، وهو الذي كان يدعو دائماً إلى أن يكون للزعماء السنّة تمثيل أوسع في الاستحقاقات الوطنية مثل طاولة الحوار، لكنّ ذلك لا يعني أنّ السعودية قادرة على توحيد السنّة عبر خطة الفصل عن حزب الله، تماماً كما تسعى مع حليفتها واشنطن التي تشنّ الحملة نفسها على الحزب أمنياً ومالياً وسياسياً.
يؤكد مصدر سياسي أنّ السعودية لا تريد استبدال الحريري بزعيم سنّي آخر، لذلك تدعوه إلى استقبال رموز السنّة في 8 آذار، ولو كانت تطرح استبداله لما استقبلهم الحريري أو قبل ذلك بسهولة. كلّ ذلك تقوم به السعودية علّها تستطيع تقديم إغراءات مادية أو معنوية توحِّد السنّة في وجه الحزب، بحيث يجد البعض في العلاقة فرصة لمستقبل سياسي بارز لكنّ ذلك ليس تقاطعاً سياسياً ولا اعترافاً بأنّ أحداً حتى الساعة هو بديل الحريري، وإذا كان ذلك ممكناً فلا يستغرب اللبنانيون حينئذ إذا رأوا الحريري منضمّاً إلى حلف مع حزب الله، يختم المصدر.
محاولة السعودية مع زعماء السنّة في 8 آذار ستفشل كما فشلت مع فرنجية، ففكّ الارتباط بحزب الله أصعب وأدقّ من حسابات هلامية تعود إلى اعتبار الرياض، سلفاً فإنّ أيّ دعوة إلى التقرّب منها أو من حلفائها هي مادة إغرائية يتوق خصومها إلى استغلالها عند أول إشارة.