انتخب انتخب فأنت حرّ وسيّد…
د. حسام الدين خلاصي
في سورية اليوم، ومنذ خمسة سنوات مضت بات الميدان حلبة صراع واضحة بين من يؤيد السيادة الوطنية والدفاع عنها، وبين من يؤيد الرغبات الخارجية في إسقاط هذه السيادة والنيل منها وتحويلها إلى تابعة على أقلّ تقدير أو استبدالها بأخرى مأجورة للكيان الصهيوني.
ـ عسكرياً، يتصدّى الجيش العربي السوري والقوات الرديفة الشعبية والحلفاء في كلّ يوم لعصابات الإرهاب المنظم ليمنع أي هجوم منذ اليوم الأول، ويمضي الجيش في خطته للتحرير غير آبه لما ينجز من تفاهمات لأعداء سورية حول المشهد من الداخل ويقضي على الرغبات الحاقدة على سورية وتاريخها من قبل عصابات آل سعود وأردوغان.
ـ سياسياً وشعبياً الشعب السوري حسم خياره بأن يقف وراء جيشه وقدم في أرقى استفتاء على الإرادة الوطنية أنه وبعد خمس سنوات ينتمي إلى قرار وطني مستقل ويحترم دستوره الذي كان لا يعرف عنه شيئاً في الماضي لانتفاء الحاجة إلى هذه المعرفة والذي فجأة وجد فيه الدستور الحصن الأول الذي يصون سيادته فتمسّك بمواعيده ومواقيته الدستورية غير ملتفت إلى اتفاقات جنيف ولا فيينا ولا موسكو ولا أي عاصمة في الأرض ولا الأمم المتحدة المتلونة صهيونياً وسعودياً.
ستجري الانتخابات البرلمانية في سورية بعد شهرين تقريباً من الآن وبعد إعلان السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد عن موعدها في تحدٍّ واضح للرغبات الخارجية التي تطمح إلى خرق الدستور السوري ونسفه. فقد تمسّك السيد الرئيس بحرية الشعب المقاوم ورغبته في نيل الحرية الحقيقية من براثن الإرهاب الذي تسلط على رقاب السوريين.
والسؤال الآن: هل يعلم السوريون أهمية هذه الانتخابات الأهم في تاريخهم المعاصر؟ هل يدركون أنها ترمز إلى السيادة والحرية الحقيقية من براثن الاستعمار الإرهابي التكفيري، وأنهم من خلالها سيرفضون فيما يرفضون الوجه الأسود للإسلام السياسي الذي فُرض على المنطقة، وأنهم بنجاحهم في هذه الانتخابات سيعطون جرعة الأمل لكلّ الشعوب المقاومة للمشروع الصهيوني في المنطقة والعالم؟ إنّ نجاح هذه الانتخابات يعني وبالضرورة أنّ الصمود الأسطوري لهذا الشعب المقاوم في سورية سيكون منهجاً يُدرّس مصر ـ الجزائر ـ تونس ـ ليبيا ـ اليمن ـ لبنان حول أنّ هناك من أراد أن يدمر العالم وأنّ سورية وقفت في وجه الظلم وقالت لا ومليون مرة لا.
تدلّ المؤشرات الاجتماعية والسياسية على وعي السوريين لهذه المهمّة السياسية الوطنية لأنهم فعلوها في الانتخابات الرئاسية 2014 بقوة وجدارة، ولكنّ الأهم الآن أن ندرك أننا ودفاعاً عن حريتنا وسيادتنا نخوض هذه المعركة السياسية لنوصل برلمانيين أكفاء إلى قبة البرلمان كي نستمر في الصمود وأن نتلافى أخطاء الماضي ونوحِّد الصف لنكون أقوى ونحقق نجاحاً أرقى لأنّ هذا البرلمان سيُفرز حكومة أقوى إذا كان مُنوَّعاً ومختاراً بدقة وعناية.
إنّ قيمة الحرية والسيادة التي قدمنا من أجلها الشهداء تقتضي أن لا نعطي الصوت إلا لمستحقيه الأكفاء وأن نحجب الثقة عن من لا يستحقها تحت أي اعتبار، ففي زمن الحروب تكثر السمسرة والاتجار بالمواقف، وعلى السوريين ألا يُخدعوا ممن تاجر بالموقف والكلمة واللقمة، علينا ألا نوصل عملاء الإخوان المسلمين المختبئين والمتخفين والغير مكشوفين بعد إلى البرلمان بغير قصد أو عن جهل وعدم دراية، وهذه مهمّة صعبة لأنّ الاختيار يحتاج إلى الوعي الوطني الكامل بصعوبة وقداسة المهمّة حفاظاً على تضحيات الشهداء والجرحى.
اليوم ما زال السوري حراً وسيداً والحر والسيد لا يمنح صوته في الانتخابات إلا لمستحقيه الذين يضمنون تغييراً وشجاعة في نقل المواطن من مرحلة الصمود إلى الصمود الإيجابي والشراكة الوطنية الحقيقية في اتخاذ القرار الوطني، وإلى رقابة حقيقية على مصالح الناس من خلال القوة في الطرح ورقابة الأداء الحكومي تحت قبة البرلمان.
يجب أن يرتقي صوت المواطن إلى مستوى القتال في الميدان ويكون الصوت الانتخابي كالطلقة الصائبة والغير مهدورة، علينا أن نصوت بكثافة وأن نختار الأفضل، بغضّ النظر عن الانتماء الحزبي والمناطقي والعشائري والديني. علينا النظر إلى البعد الوطني للمرشح في انتخابات التحدّي والسيادة لذلك أيها السوري ما زالت رحى المعركة تدور واليوم المعركة السياسية للوصول إلى للبرلمان لا يُحسمها إلا صوتك القوي.
أمام المعارضة الوطنية والأحزاب الجديدة المتشكلة اليوم فرصة تاريخية للمساهمة في صناعة القرار ولديها فرصة لتكشف رصيدها الحقيقي في الشارع السوري ولتكسب ما تستطيع كسبه من نواب في البرلمان، وإذا فكرت بعض فصائل المعارضة في مقاطعة هذه الانتخابات كما فعلت في الانتخابات الرئاسية سابقاً، لأي سبب كان، ستكون بذلك ترتكب خطأ تاريخياً كبيراً، فالقصة هنا لا تتعلق بموقف سياسي بل بموقف وطني تتجسّد فيه معاني الحرية والسيادة فكلّ تيار سياسي، موال كان أو معارضاً ويشعر بالحرية والسيادة يجب أن يشارك في الانتخابات فالوقت الآن ليس لتصفية الحسابات السياسية بل لممارسة السيادة الوطنية مهما شاب هذه الانتخابات من شوائب وكما يقول المثل المصري الشهير الميه تكذب الغطاس ، وبناءَ عليه الجميع مدعو إلى المشاركة وبقوة في هذه الانتخابات كمّاً ونوعاً في تحدٍّ واضح لقوى الشر والظلام التي عتّمت على سورية وتاريخها بأنها لن تفلح ما دام فينا مواطن حرّ وسيد.
إذاً، التاريخ سيُسجل وأي تقصير هنا وعدم مشاركة ستكون دلالته إلى أنك وقفت مع الباغي وأنك عبد وسجين إرادة ومرتهن للغير.
على المواطن الحر والسيد، بغضّ النظر عن الانتماء السياسي، واجب وطني مهم هذا إن كان يشعر بقيمة صوته اليوم أكثر من أي يوم مضى واجب يتلخص فيما يلي:
ـ إبعاد الانتهازية عن البرلمان وتنقيته من الرجعية الأصولية.
ـ إبعاد الانهزاميين من البرلمان إلى غير رجعة.
ـ الاقتراب من علمانية الدولة باختيار المرشح الأفضل الواضح.
ـ الابتعاد عن المحسوبيات والرشاوي وشراء الذمم.
ـ الدفاع عن سورية ومصالحها بنجاح الانتخابات.
ـ احترام الأقليات السياسية وإيصالها إلى البرلمان، خاصة إن كانت واضحة الطرح ومستقلة القرار.
ـ عدم الركون لليأس في عدم جدوى ما نفعله بالتصويت فمهما كان الفعل فهو أجدر من البقاء في المنزل وعدم التصويت، أي ترك اللامبالاة جانباً لأنها ذات يوم أوصلت من لا يستحق إلى البرلمان وكي لا نندب حظنا لاحقاً.
واليوم ومن تجارب الشعوب علينا استنتاج العبر فليس صدفة أن تجري الانتخابات التشريعية في سورية وإيران معاً، فإيران التي حوصرت طيلة سنين وشُنّت عليها الحروب نجحت بفعل قوة صوت الشعب الحر والسيد أن تمضي في ركب انتصارها في كلّ الميادين، لذلك فإنّ السوريين أولى بالفرح بانتصارهم الذي اقتربت راياته، ولأنّ كلّ سوري حرّ وسيد ولأنّ كلّ سوري سيكون مشاركاً في النصر عبر صموده. سنرفع صوتنا وحتى نهاية الانتخابات عالياً بعبارة: انتخب… انتخب… فأنت حرّ وسيّد.
حرّ بقوة الجيش العربي السوري، سيّد لأنك في وطنك وتمارس حقوقك الدستورية في موعدها.
رئيس الأمانة العامة
للثوابت الوطنية في سورية – مجتمع مدني