هل للرياض وأنقرة القدرة على القيام بما عجزت عنه واشنطن؟
مصطفى حكمت العراقي
يمثل الاتفاق على وقف إطلاق النار في سورية بين روسيا والولايات المتحدة اعترافاً مباشراً بأنّ غرف المفاوضات المظلمة قد توصلت إلى اتفاق أكبر على صعيد حل الأزمة السورية لا يمكن التراجع عنه مستقبلاً، وهو ما سيمهّد لإطلاق مسار الحلّ السياسي في سورية، بعد أن توقف عمداً بسبب فشل وعجز وفد المعارضة السورية خصوصاً بعد الانتصارات السريعة والمتتالية للجيش العربي السوري وحلفائه على طول الجغرافيا السورية، وبالأخصّ ريفي اللاذقية وحلب.
من الناحية السياسية إعلان الاتفاق على وقف إطلاق النار وبعيداً عن إمكانية تطبيقه بشكل كامل على الأرض أو فشله فإنه يعتبر اعترافاً دولياً جديداً بقوة الوجود السوري على الأرض، وهذا ما مهّد لسعي واشنطن الحثيث الى التوصل لهذا الاتفاق، لكي تحافظ على ما تبقى من قرى وبلدات قليلة تحت سيطرة المعارضة التي تدعمها لكي تحفظ لها موقعاً بسيطاً في طاولة المفاوضات المقبلة من أجل التوصل إلى حل ينهي الأزمة، أما حلفاء واشنطن فقد ساروا بركبها لجهة الرضوخ الى حكم الواقع والقبول بما أفرز الميدان إلا الرياض وأنقرة اللتين لم تتمكنا إلى الآن من الاستفاقة مما وصلت إليه الأمور من فشل وهزائم مختلفة على تعدد الجبهات والاتجاهات فأصابهما التخبّط في كلّ شيء حتى أن المتابع لتصريحات مسؤولي تركيا والسعودية خصوصاً بعد تخلي واشنطن عنهم لا يكاد يعرف أو يفهم ما ينوي هؤلاء فعله، فالسعودية تعرف جيداً أن التفاهم بين الأميركيين والروس هو مرحلة متقدمة لجهة اقتراب الحل السياسي في سورية وبالأخص بعدما وافقت واشنطن مرغمة على وضع الجهة الأبرز التي اعتمدت عليها وهي جبهة النصرة في لائحة من تمّ استثناؤهم من وقف إطلاق النار، وهذا يعني بأن ورقة النصرة قد احترقت كذلك أحرار الشام وجيش الإسلام التابعين أيضاً لكل من أنقرة والرياض فجيش الإسلام بدأ بالسعي الى تقديم أوراق اعتماده كفريق سياسي معتدل خصوصاً بعد مقتل قائده زهران علوش بدليل الانخفاض الحاد والملحوض بقصف دمشق من الغوطة لكي يصبح ورقة تفاوضية في محادثات بوتين مع الملك السعودي الذي يستعد لزيارة موسكو في الأيام المقبلة ليضمن مشاركة أذنابه في مفاوضات جنيف المقبلة. تركيا بدورها أيقنت أن منع مشاركة الأكراد في جنيف باتت معدومة خصوصاً بعد سيطرتهم على مناطق مهمة من النصرة وداعش حتى أحرار الشام التي تشير خريطة وجدوه الى أنه يقاتل في مناطق مشتركة مع جبهة النصرة ما يعني أنه اندرج ضمناً مع النصرة الإرهابية، لذلك فإن هويته الإرهابية انحسمت ما يعني خسارة جديدة لأردوغان. فإدارة أردوغان التي فشلت في إسقاط الدولة السورية وصولاً إلى سقوط هدفها الثانوي في إقامة المنطقة الآمنة إلى أن سقط مرتزقة أنقرة السياسيين والعسكرين بضربة سورية روسية مزدوجة وبرضوخ أميركي، لهذا كل هذه المعطيات جعل كلاً من الرياض وأنقرة يلجأ إلى آخر ما يمكنهما فعله في سورية لتحقيق حلمهما المتبخر بإسقاط الدولة السورية بطلب صهيوني واضح، فتوالت التصريحات السعودية التركية المتضاربة بقرب التوغل العسكري المباشر في سورية أو بعده تحت ذريعة التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، وهذا اعتمد بشكل مباشر على مواقف واشنطن وحلف الناتو اللذين أعلنا صراحة رفضهما التدخل عسكرياً في سورية، وتوالت المواقف المختلفة في هذا الشأن إلى أن أعلن وزير الخارجية التركي مولود أوغلو أن من المتوقع وصول طائرات سعودية إلى قاعدة إنجرليك الجوية التركية في وقت قريب. أوغلو كان قد أعلن في 13 شباط أن أنقرة والرياض قد تطلقان عملية برية ضد جماعة داعش في سورية، مؤكداً إرسال السعودية مقاتلات إلى قاعدة انجرليك التركية، إضافة إلى أنه قد استبعد في وقت سابق قيام تركيا والسعودية بعملية برية في سورية. وقال أوغلو في مؤتمر صحافي في أنقرة إن أي خطوة من هذا القبيل يجب أن تضم كل دول التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. أما رئيس الوزراء التركي داود أوغلو فقال إن اتفاق وقف إطلاق النار لم يعتبر وحدات حماية الشعب الكردية تنظيماً إرهابياً كداعش والنصرة، وأكد أن بلاده لن تلتزم بالهدنة إذا تعلق الأمر بأمنها. توجهات أنقرة والرياض وتغريدهما ظاهراً خارج السرب الأميركي تحتمل قراءات عدة لجهة جدية الدولتين في التدخل عسكرياً في سورية فمنذ تسلم الملك سلمان للحكم شكل السلوك السياسي للسعودية خلال الأشهر الماضية حالة تصعيدية غير مسبوقة فكل شيء ممكن الحدوث في التوجه السعودي الجديد بالمنطقة ولا يمكن أن نستبعد خيار التدخل العسكري السعودي البري في سورية لجهة السعي لتقوية كفة المعارضة المسلحة بسورية من خلال طرح هذا المشروع في الوقت ذاته، فإن أميركا التي تدور في فلكها مملكة آل سعود، سياستها الجديدة ترفض تحمل التكاليف والنفقات العسكرية من خلال التدخل المباشر بسورية ولن تدعم أو تؤيد ذلك لأنها تعرف جيداً أن دعمها سيضعها في مواجهة مباشرة مع روسيا، وسيكون الحلف الروسي السوري في حل من الاتفاقات التي أبرمت مع واشنطن تحت ظل السعي لحل سياسي، حتى الهجوم التركي الأخير ضد إيران كان يهدف لتهيئة الأجواء السياسية لمرحلة ما قبل التدخل العسكري المزمع شنه في سورية لكنه نظراً للوضع الداخلي والإقليمي المحيط بتركيا، فإن أنقرة تعرف أنها سوف تدفع ثمناً باهظاً جراء هذا التدخل. في المجمل فإن إمكانية تدخل الرياض وأنقرة في سورية مستبعدة إلى حد ما، لأن الدولتين لم تقوما بذلك في ذروة نجاحهما السياسي والعسكري واكتفتا بالرهان على المسلحين من شتى أرجاء الأرض ولم تجنيا شيئاً. والآن بعد أن دخلت روسيا بقوة في الملف السوري حتى وصل الامر الى إرغام واشنطن على قبول ما رفضته لسنوات لا يمكن لعاقل أن يصدق أن حكام آل سعود الذين فشلوا فشلاً ذريعاً في اليمن المجاورة لهم ولم يحققوا شيئاً بعد ما يقارب سنة من الحرب وبظل الدعم الأميركي لهم سوف يقومون بالتدخل في سورية حتى أن شاركهم في ذلك أردوغان الذي يستجدي عودة العلاقات مع روسيا بعد إسقاط طائرة روسية واحدة فكيف سيصبح بهم الحال إن دخلوا الحرب مع موسكو مباشرة في سورية.. أن حصول التدخل العسكري في سورية محكوم بأمرين فأما أن تضبط واشنطن تصرفات أدواتها في المنطقة للسير معها في ما اتجهت اليه أو أن تتمرد أنقرة والرياض وتخرجا عن توجهات سيدهما الأميركي ما سيجعلهما عرضة للالتهام الروسي السوري وعودة جنودهما بصناديق خشبية كما قال الوزير المعلم.