بين باسيل «المخرّب» والمشنوق «الحريص» أين العقوبات السعودية؟
روزانا رمال
يرفض وزير الخارجية جبران باسيل أيّ تحريف لكلامه ولمنطقه المنسجم مع البيان الوزاري الذي تشارك فيه مع حزب الله وباقي الأفرقاء، كوزير يمثل تياراً مسيحياً وازناً في البلاد من أجل ولادة الحكومة التي تعثرت لأكثر من 11 شهراً قبل أن تخرج إلى النور، ثم الاتفاق على بيانها الوزاري المفترض أنه يعالج صيغة عمل المقاومة، وذلك منذ مرحلة ما بعد اغتيال الحريري، حيث تغيّر كلّ شيء وبدأت الحملة السعودية بلسان حلفائها على حزب الله منذ ذلك الوقت.
يشرح باسيل بشكل مفصل بعد اجتماع وزاري دام أكثر من سبع ساعات مع وزراء الحكومة حقيقة موقفه والتفاصيل التي واجهته في مؤتمر وزراء الخارجية العرب، فيقول: قلت إنه إذا كان عليّ أن أختار فإني أختار الوحدة الوطنية ومع نأي لبنان عن الأزمات والاعتراض على تصنيف حزب الله بالإرهابي، لكون سياسة الحكومة تصبّ في هذا الاتجاه فالسلم الأهلي والاستقرار فوق كلّ شيء، فسجّل اعتراض لبنان الرسمي وبات وحيداً معترضاً على البيان العربي.
تدخل السعودية اليوم مباشرة بمنطق جديد على تثبيت المواقف والمناورة فيها، يلفت في اجتماع وزراء الخارجية العرب أن البحرين هي الدولة المعترضة على كلام باسيل وليس السعودية التي حاولت الظهور عبر وزير خارجيتها عادل الجبير بالطرف الذي يتفهّم طلب باسيل مراعاة للحالة اللبنانية، فما كان من البحرين بوزير خارجيتها إلا الإمعان في الرفض. تشبه الحالة البحرينية في الجامعة العربية الحالة اللبنانية المتمثلة بفريق الحريري الموالي للسعودية الذي يزايد بعض مَن فيه أكثر من الحريري نفسه داخل التيار، فيترك للحريري صورة الاعتدال بدلاً من التطرف. سياسة السعودية التي نظمت الموقف البحريني منذ اندلاع الأزمة السورية، وأول بوادر الاحتجاجات الشعبية في المنامة بشكل دقيق، حتى أصبحت البحرين رأس حربة الاعتراض وأول مَن يفتح أبواب الاتهامات ويوجّهها نحو حزب الله ويهاجم السيد حسن نصرالله مباشرة.
توزيع الأدوار بين حلفاء السعودية دولاً وأفراداً يعني أنّ للمملكة دائماً هامشاً تستعمله عند الحاجة، خصوصاً في ملفات استراتيجية من هذا النوع، وفي هذا الإطار لا يخفى على متابعي الأزمة في البحرين أن تدخّل درع الجزيرة السعودي لمساندة السلطات هناك ليس إلا ترجمة لموقف مرجعية واحدة في الرياض، فلماذا تتهرّب السعودية من التقدّم بالموقف حتى النهاية طالما أنها فتحت حرباً مباشرة مع الحكومة اللبنانية وحزب الله؟
يتكرّر نفس المشهد الذي عاشه باسيل مع وزير الداخلية نهاد المشنوق في معرض مشاركته في أعمال مؤتمر وزراء الداخلية العرب في تونس، فيرفض هو الآخر تصنيف حزب الله إرهابياً وهو يعرف أنّ الطلب سعودي، لكنه يعرف أيضاً أنّ عليه الاستشارة قبل أن يتبنّى أيّ كلام يُحسب على لبنان الرسمي إعلان حرب جديدة على المملكة، فاستشار المشنوق رئيس الحكومة تمام سلام ورئيس حزب المستقبل سعد الحريري وكلاهما وافقا على عدم خروج المشنوق عن البيان الذي اجتمعت على أساسه حكومة المصلحة الوطنية.
قال نهاد المشنوق كوزير للداخلية ما قاله نفسه جبران باسيل كوزير للخارجية، وفعل ما فعله، وتحفظ على ما تحفظ عليه تجاه تصنيف حزب الله إرهابياً، لأنّ هذه هي سياسة الحكومة اللبنانية وهذه هي مصلحة لبنان، لكن باسيل صنّف مخرباً على لبنان واضطر لشرح «فعلته»، أما خطوة نهاد المشنوق ففهمت كحرص ودعمت بإشادة كثر من الأفرقاء، فهل أخطأ باسيل بالتشاور مع رئيس الحكومة تمام سلام وأصاب المشنوق بالتشاور مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري فيصير التخريب مصلحة وطنية؟ أم أنّ القضية هي في مكان آخر، رئاسة الجمهورية والعماد ميشال عون وما يمثله باسيل؟
على أيّ حال تبدو المملكة اليوم متخاصمة مع لبنان أو «بصدد ذلك»، فلا شيء يشير حتى الساعة إلى أنّ أيّ من العقوبات التي أعلنت عنها قد أصبحت قيد التنفيذ، ليأتي السؤال: هل تنوي السعودية فعلاً مقاطعة لبنان؟ أو هل تستطيع ذلك؟
أظهر لبنان لأول مرة مشهداً وطنياً منسجماً على اختلاف مشاربه على مسألة تبدو ضربة قاسمة للوحدة الوطنية حتى مع أولئك الذين يعتبرون أنّ حزب الله أضرّ بلبنان، لكنهم يعرفون أيضاً أنّ المشاركة بتسميته إرهابياً هي ضرر اكبر واستحضار لفتنة لا يريدونها على اعتبار أنّ الجميع يعترف انه شريك وازن في البلاد شعبياً وسياسياً، وانّ العمل على إخفاء إنجازه التحريري الأهمّ عام 2000 وتحويله مصدر إرهاب غير موفق بتاتاً.
يتكاتف اللبنانيون لحظة اقتراب الحقيقة مع بعضهم البعض، وتتكشف في هذه اللحظات نيات السعودية بعدم التقدّم نحو التنفيذ، فكلّ ما كانت تتوقعه من الأفرقاء من حماسة جاء مغايراً لتوقعاتها بحدّها الأدنى، فبات الموقف اللبناني وحده حصانة أمام عدم التقدم بما تلوّح به.
تدرك السعودية اليوم أنّ التحريض على سحب المعاملات المالية من لبنان وقطع علاقاتها فيه والمضيّ قدماً نحو عقاب اللبنانيين والحكومة، ومعهم حزب الله وقاعدته الشعبية، يعني أنّ البحث عن بدائل سيصبح ضرورة لدى رجال أعمال ومصرفيين لبنانيين قد يتوجّهون بهذه الحالة فوراً نحو بديل منقذ، ومن غير المستبعد أن يكون لبنان حينها قد انتمى رسمياً إلى مجموعة اقتصادية جديدة وهي منظومة اقتصادية إقليمية ودولية متصاعدة روسيا – إيران – العراق وسورية.
تعرف السعودية جيداً أنّ حصار الاقتصاديين يعني التفتيش عن البدائل، والبديل هذه المرة مؤلم، ولهذا السبب تتحرك مجموعاتها خطوة إلى الخلف.