فشل الربيع العربي… والشارع العربي لا زال بخير
– ما حدث في اجتماع وزراء الداخلية العرب ليس عادياً، فهو من جهة أول تجرّؤ رسمي عربي على قوى المقاومة في وجه «إسرائيل» ومحاولة وسمها بالإرهاب، وفقاً للتوصيف «الإسرائيلي» لها، بعدما شهد العالم العربي تغييرات وحروباً وعصفت فيه رياح الطائفية والمذهبية، فصار العدو صديقاً والصديق عدواً، وبمقدار حاجة هذا التحوّل إلى اختبار مقدرة النظام العربي الرسمي الذي أعيد تشكيله بعد عاصفة خماسين الربيع العربي، برعاية سعودية، على تحمّل الدور الجديد الذي يُطلب منه، من جهة، ومقدرته على امتصاص ردود الفعل التي سيتركها هذا التحوّل في الشارع العربي من جهة أخرى، ومن خلال الاختبارين تحديد مستقبل الزعامة السعودية لهذا النظام العربي الجديد.
– لا يمكن وصف صدور القرار بذاته، بتصنيف حزب الله تنظيماً إرهابياً، بالسهو الذي غفل الوزراء المشاركون عن خطورته وأهميته، بل يمكن الجزم بأنّ المرحلة الأولى من الاختبار لقدرة السعودية على الإمساك بقرار النظام العربي الرسمي وقدرة هذا النظام على التجرّؤ في قضية بحجم تصنيف المقاومة إرهاباً قد تمّت بنجاح، كما انطلاق الصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية، لكن فجأة بدا أنّ ثمة عطلاً تقنياً يحول دون انفصال الكبسولة عن الصاروخ وانفجارها معه، فما كاد الوزراء يعودون إلى عواصم بلادهم حتى بدأت مرحلة فحص القسم الثاني من الاختبار، وهو القدرة على امتصاص ردود الفعل في الشارع وقوى الرأي العام، فكان التراجع المستعجل، والتبرّؤ المعلن، والإعلان عن اللاصفة واللاإلزامية في الحديث عن القرار علامات فشل القسم الثاني من الاختبار.
– لقد ظهر من مواقف تونس والجزائر وتأكيد مصر أنّ شيئاً لن يتغيّر سلباً وإيجاباً في علاقتها بحزب الله بعد القرار، أنّ الشارع العربي لا يزال حياً، وأنّ قوى الرأي العام فيه لا تزال تملك قدرة التأثير ويُحسَب لها الحساب، وأنّ فلسطين والمقاومة لا تزالان من ثوابت هذا الشارع وقواه، ولا يزال المساس بهما من المحرّمات، وأنّ حدود التقبّل للمناورات والمساومات والتحالفات واللعب بالعصبيات، عندما تتخطى هذه الثوابت تصطدم بما لا يمكن تذليله ولا يمكن احتماله، فما حدث قد حدث قبل أن يتحرّك حزب الله ويتوجه إلى الشارع، وقبل أن يدعو إلى استنهاض حراك رافض للقرار، وقبل أن تتداعى القوى الشعبية والسياسية المساندة للمقاومة لإحياء فعاليات التضامن والمساندة.
– مقياس النجاح والفشل للربيع العربي الذي أريدَ منه تغيير معايير الأمن القومي وجعل «إسرائيل» صديقاً، والمقاومة عدواً، جرى اختباره هذين اليومين بنجاح وظهر أنّ الربيع العربي قد انتهى بفشل ذريع، قبل أن تكمل سورية مسيرة تعافيها، والمقاومة سلة انتصاراتها، فكيف بعدهما؟