عروبة جمال عبد الناصر وعمالة آل سعود المُزمنة
إبراهيم ياسين
ناضل الزعيم جمال عبد الناصر من أجل تحرير مصر وبقية البلدان العربية من الاستعمار والاحتلال الأجنبي المباشر وغير المباشر، ونجح في تحقيق العديد من الإنجازات الكبيرة، إن كان على صعيد التنمية الاقتصادية الغير تابعة للرأسمالية العالمية، أومن خلال إرساء العدالة الاجتماعية وتطبيق الاشتراكية.
وأعطى عبد الناصر زخماً كبيراً للحركة القومية العربية وللأفكار والتوجهات الوحدوية وأصبح رمزاً وقائداً لحركة النضال العربي المعاصر. وقد وعى جيداً الترابط الجدلي بين أمن مصر والأمن القومي العربي عموماً، وأنّ عزل مصر عن المجموع العربي هو الثغرة التي يدخل منها العدو الغربي إلى بلادنا العربية التي تمرّ بواحدة من أكثر مراحل صراعه ونضاله القومي خطورة وأحفلها بالدروس والعبر التاريخية.
وجد الغرب في انكفاء الحقبة الناصرية فرصة لترويض الأنظمة العربية، لا سيما بعد نكسة حزيران 1967 وتآمر بعض الأنظمة العربية مع العدوالصهيوني ـ الغربي، خاصة النظام السعودي على مصر الناصرية وعلى كلّ حركات المقاومة في ذلك الوقت… وبعد العجز عن تثمير إنجازات حرب تشرين الأول 1973 التي أحاطتها التباسات كثيرة، وما زالت نتائجها وتداعياتها تفرض نفسها سواء عبر معاهدة «كامب دايفيد» التي وقعها السادات، أو عبر الاتفاقيات الأخرى التي وُقِّعت لاحقاً في أوسلو ووادي عربة.
قيل إنّ الزمن تغير بعد جمال عبد الناصر، وما علينا إلا ولوج طريق التفاوض كما فعل السادات وغيره من بعض ضعاف النفوس من الحكام العرب…فماذا كانت النتيجة؟
كانت علاقات تطبيع اقتصادية وتحالف سياسي وتعاون أمني ضدّ أنظمة وطنية، وقوى مقاومة وطنية تتصدّى للإرهاب الصهيوني التكفيري المُتعدِّد الوجوه والمشارب. وقد استفاد العدوالصهيوني من بعثرة التضامن العربي فزاد حجم الاستيطان وتحقق الجدار الصهيوني، وهوِّدت القدس على أمل أن تُهوّد كلّ فلسطين… وانكشفت الأمة أمام العدو…
كان للنظام السعودي الدور الرئيسي في هذا الانكشاف للأمة والتآمر على حركات التحرُّر والمقاومة، والذي يتجسّد في هذه الأيام في تمويل وتغذية الحرب الإرهابية التكفيرية في سوريا والعراق وليبيا وفي شنّ الحرب الوحشية على اليمن.
كما تجسّد أيضاً في فتح قنوات التطبيع مع العدو الصهيوني بشكل علني بعدما كان في السابق يتم في السر حيث كشفت القناة العاشرة في تلفزيون العدو الصهيوني عن زيارة وفد صهيوني رفيع المستوى للرياض قبل أسابيع بعدما كان قد زار وفد سعودي كيان العدو، على أنّ الجديد في هذا الدور التآمري للنظام السعودي إقدامه على إعلان الحرب على المقاومة الوطنية اللبنانية من خلال الضغط على الدول العربية في إجتماع وزراء الداخلية العرب لإصدار بيان يصنف حزب الله المقاوم منظمة إرهابية، وهو أمر شكل خدمة مجانية للعدو الصهيوني الذي سارع إلى الترحيب بالقرار واعتباره إنجازاً له.
على أنّ السؤال الذي يُطرح في هذا السياق: لماذا أقدمت السعودية على مثل هذه الخطوة في هذا التوقيت بالذات، وماهي أهداف هذه الخطوة؟
أولاً في التوقيت:
يأتي توقيت إصدار هذا القرار بعد فشل وإخفاق الحرب السعودية ضدّ اليمن وغرق السعودية في حرب استنزاف مكلفة لها مادياً وبشرياً كما يأتي بعد فشل الحرب الإرهابية ضدّ الدولة الوطنية السورية ولأنّ السعودية أدركت أنها غير قادرة على تغيير مجرى التطورات لمصلحتها وأنّ دورها السياسي في المنطقة بدأ يتراجع لجأت إلى إعلان الحرب على المقاومة في لبنان لما لها من دور في نصرة الشعب اليمني ومؤازرة الجيش السوري من ناحية وبهدف حرف الأنظار عن هذا المأزق السعودي المتزايد من جراء الفشل في تحقيق أهداف حروبها في المنطقة من ناحية ثانية.
ثانياً: هدف الحملة السعودية على لبنان والمقاومة.
إنّ الحملة السعودية جاءت في أعقاب إلغاء الهبة السعودية لتسليح الجيش وقوى الأمن اللبنانية والتلويح بطرد اللبنانيين العاملين في السعودية والطلب من الرعايا الخليجيين مغادرة لبنان وصولاً إلى التهديد بسحب الودائع والأموال الخليجية من البنوك اللبنانية وطبعاً الهدف من كلّ ذلك الضغط على اللبنانيين لتأليبهم ضدّ المقاومة… هذه الحملة التي تقوم بها الحكومة السعودية والتي تُستخدم فيها الهبة الملغاة سلاحاً لابتزاز لبنان وإخضاعه للوصاية السعودية عبر دفعه إلى تأييد سياساتها العدوانية في المنطقة كشرط مسبق للعودة عن قرارها بإلغاء الهبة ساهمت أيضاً عبر أتباعها في الداخل اللبناني في خلق مناخات مذهبية وطائفية بين اللبنانيين في محاولة لخلق فتنة مذهبية كوسيلة ضغط أخرى ضدّ لبنان وقواه الوطنية والمقاومة… هذا في الهدف من القرار السعودي الخليجي، لذلك فإنّ محاولة تبرير هذا القرار بأنّ لبنان، بموقفه الذي اتخذه في الجامعة العربية وقبله في المؤتمر الإسلامي الذي عقد في جدة، خرج عن الإجماع العربي في حين أنّ هذا الموقف هو نفسه الذي عبّر عنه وزير الخارجية الوزير جبران باسيل بالنأي بلبنان عن البيانات التي صدرت، لأنها تتعارض مع الموقف اللبناني الذي يشكل نقطة إجماع بين الأفرقاء في لبنان القاضي بعدم الانحياز إلى أي طرف من الأطراف إزاء الصراعات القائمة في المنطقة، لهذا فإنّ الموقف السعودي لا مبرر له أبداً.
لكن في المقابل، كشف هذا الموقف أنّ الحكومة السعودية لم تقدم هبة مالية إلى لبنان، وإنما أعلنت عن هبة مشروطة، كما اتضح من خلال هذا الموقف الذي يُراد منه إجبار لبنان على الخضوع للإملاءات السعودية، وهوأمر لم يتمكن العدوالصهيوني من تحقيقه ومن ورائه الولايات المتحدة الأميركية لا في حرب تموز 2006، ولا بعد حرب تموز…لهذا السبب فإنّ الحكومة السعودية لن تكون قادرة على تحقيق ما عجزت عنه القوتين الصهيونية والأميركية.
كما أنّ هذا القرار السعودي ـ الخليجي هو استكمال للحروب التي تشنها السعودية وبعض دول الخليج على سورية والعراق واليمن وهو بمثابة إعلان عن تحالف سعودي خليجي ـ صهيوني ضدّ لبنان ومقاومته الوطنية والإسلامية، وهو أيضاً ضدّ الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية ومقاومته، وبالتالي هي محاولة سعودية لتصفية القضية الفلسطينية وشطب حقّ عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه المُغتصبة والتي نصّت عليها القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ودوائر مجلس الأمن الدولي.
ويكشف القرار السعودي حقيقة قوى 14 آذار بكونها ملحقة وتابعة للسعودية وللغرب وتفتقد إلى الحدّ الأدنى من الكرامة الوطنية وهو ما ظهر جلياً من خلال مسارعتهم إلى توقيع عريضة يطلبون فيها الاعتذار والاسترحام كي تتراجع الحكومة السعودية عن قرارها إلغاء الهبة، كذلك وتزلفهم للسفير السعودي لمساعدتهم بالضغط على حكومته للسماح باستقبال وفد حكومي لبناني برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام.
لا تستطيع السعودية أن تقدم شهادات براءة ذمة لمن من هو وطني ومن هو إرهابي، ولا تستطيع تصنيف أحد وهي التي تدعم وتمول التنظيمات الإرهابية وتغذي الأفكار المتطرفة أكانت إسلامية أم غير ذلك، فرجال المقاومة يأخذون الشرعية الوطنية والقومية من خلال تصديهم وقتالهم أعداء الأمة وغاصبي الأرض. وتبقى أميركا والسعودية في طليعة مصنعي الإرهاب ومموليه في العالم.
لا نزال في بدايات القرن الواحد والعشرين والأمة تعيش حالة تحول ومخاض عسير وهي تعتزّ بنهج المقاومة ونضالها، والسائد في أكثر من قطر عربي، وهذه إشارة إلى إرادة قوية لا تنكسر ولا تتراجع… مقاومة تشكل أحد أهم عوامل الأمل القومي العربي.
قالها جمال عبد الناصر يوماً: المقاومة وُجدت لتبقى، وستبقى.
شاء من شاء وأبى من أبى.