الفيدرالية.. ليست قدراً سورياً
نظام مارديني
كلما ضيّق الجيش السوري الخناق على الإرهابيين وحاصر داعميهم بانتصاراته، سارعت الإدارة الأميركية إلى طرح سيناريواتها تجاه سورية، كسيناريو الفيدرالية، كما طرحتها سابقاً تجاه العراق الذي وضع له المندوب السامي بريمر دستوراً فيدرالياً طائفياً وعرقياً. ورغم النجاح النسبي الذي حققه إقليم العراق الشمالي كردي إلا أن مسارات الحفاظ على كيان الدولة العراقية لا يزال قائماً، ولا يعرقل هنا تصريحات رئيس الإقليم مسعود البرزاني بالدعوة إلى استفتاء الاستقلال من وهج كيان الدولة العراقية، بخاصة أن هذه التصريحات لها أهداف داخلية «كردية» ليس إلا.
قد تكون نقطة انطلاق قاطرة الحفاظ على كيان الدولة السورية شاقة بعد انتهاء الأزمة القائمة ودحر الإرهابيين وداعميهم، غير أن ذلك يجب أن لا يمنع من تقديم قراءة موضوعية للسيناريوات القائمة وتلك التي تواجه الكيان السوري.
ليست السيناريوهات التي أطلقت كبالونات اختبار من قبل الإدارة الأميركية، مسلمات مطلقة في رسم مستقبل سورية على أسس طائفية وعرقية، فطبيعة المتحد السوري والاندماج القائم في ديمغرافيته تمنع أي انقسام على أسس مذهبية وعرقية. والبحث الذي يدور هو حول تعديل الدستور الذي يراعي جغرافية سورية ووحدة أراضيها، ومسألة علمانية الدولة، واللامركزية وحقوق الجماعات، والتحضير لقانون انتخابات نيابية جديدة تعقبها انتخابات رئاسية، تحت إشراف الأمم المتحدة.
صحيح أن العديد من قوى الأمر الواقع تضبط إيقاع ممارساتها ونشاطاتها على متبنيات قوى وأطراف دولية وإقليمية لا تتقاطع رؤاها مع مستقبل السوريين وأمنهم وسلامهم. بل نجد أن تصريحاتهم ووسائل إعلامهم أصبحتا تفيضان روتينياً بمشاريع التقسيم والتشطير والتشظي في سباق ماراتوني مع انتصارات الجيش السوري في جبهات القتال على اعتبار أن التقسيم الطائفي والعرقي هو الحل الوحيد لجميع المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعصف بسورية ولتبرير ما يحدث بها وما تم الترويج له منذ بدء العدوان عليها في آذار 2011، هذا التوجّه أو إسناده لمعطيات غير واقعية معتمدين على دعم الدوائر السياسية والإعلامية الغربية والخليجية والتركية ورضاها وتواطئها، ولكن لماذا لا تسترجع هذه الدول دروس الماضي وتقتنع في أن مشاريع فرنسا المنتدَبة كانت قد سقطت بالضربة القاضية على صخرة وحدة شعبنا، وأن التوجه الدولي للتوصل لحلول للازمة السورية ضمن إطار الدولة الواحدة يُسقط العديد من الطروحات حول أولوية مشاريع الفدرلة والتقسيم على أسس طائفية وعرقية ويفضح مآلات مثل هذه التوجهات نحو إدامة الأزمة السورية وتطورها إلى أزمات قد تستهلك حاضر أجيال وأجيال من شعبنا ومستقبلها.. كما ان هذا الجهد الدولي يجب أن يثير الكثير من التساؤل حول تطابق وجهات النظر «الداعشية» والخليجية والصهيو ـ أميركية في ما تطلق عليه حدود سايكس بيكو جديدة ومدى واقعية التسويق الملحّ – إلى حد التوسل – لحتمية إعلان نهاية لهذه الحدود القائمة تجاه تخليق كيانات مبهمة وهلامية تتعامل مع فكرة الفدرلة كرحلة تسوُّق مجانية في الأرض والثروة السوريتين..
إن أول الصواب هو تركيز وعي أن الفدرلة ليست قدراً… ولن تكون!