أردوغان… أحلام «السلطنة» كوابيس
جمال محسن العفلق
كان يمكن أن تكون زيارة رئيس الوزراء التركي داوود أوغلو الى طهران زيارة طبيعية، لولا التصريحات التي اختتم فيها أوغلو زيارته وإقراره بأنه اتفق مع الأخوة في إيران على الحلّ السياسي في سورية الذي يشمل جميع الأطراف، وكلمة الحلّ السياسي هي كلمة استثنائية في القاموس التركي وخصوصاً عندما يكون الحديث عن سورية.
فما أعلنه أوغلو في طهران يمكن اعتباره إعلان حسن نوايا أو بحث عن موقع جديد في المنطقة، بعد فشل سياسة «صفر مشاكل» عموماً وفشل كلّ الرهانات التركية في سورية، فلا الجماعات الإرهابية التي مرّت عبر اسطنبول استطاعت تغيير قواعد الاشتباك، ولم تستطع تركيا عزل الأكراد خصومها التقليديين عن الصراع، ولم تنفع كلّ التصريحات النارية التي أطلقها أردوغان بمناسبة ومن دون مناسبة.
فتركيا تشعر اليوم بالعجز أمام تخلي الناتو عنها إذا ما بقيت تستفز روسيا، وحلفاؤها من العرب غارقون بمشاكل إقليمية أخرى وخصوصاً السعودية التي شكلت مجموعة الرياض المعارضة والخارجة عن إرادة تركيا. فالحكومة التركية الآن تجد أنها اختارت الجواد الخاسر في السباق، ومحاولات أردوغان جرّ العالم الى حرب إقليمية لم تعد مجدية اليوم، خصوصاً أنّ الأصوات المعارضة في الداخل كشفت الكثير من أوراق أردوغان وحطمت الكثير من أحلامه بمسك العالمين الغربي والشرقي، فقد عاش الرجل حلماً طويلاً أنه سيصبح مع الاتحاد الأوربي ويدخل أوروبا من أوسع الأبواب ويحكم العالم الإسلامي من خلال مجموعات المرتزقة التي كان يسهّل مرورها، وطبعاً من خلال التحالف مع دول عربية اختارت التحالف معه كما تحالفت مع «إسرائيل» بحجة وقف التوسع الإيراني في المنطقة.
لقد فشل أردوغان في اللعبة وانكشف دوره الحقيقي في الحرب على سورية، فهو لم يكن أكثر من بوق حرب يستخدم كلما دعت الحاجة إليه، وهذا دفع الرجل إلى طهران لعله يجد تحالفاً جديداً يعطل على الغرب والروس فكرة إشراك الأكراد في جنيف أو يستطيع توريط حلفاء الأمس بقضايا جديدة وبالتلويح لهم بأنه سوف يكون مع إيران إذا دعت الحاجة، وما يهمّنا اليوم أنّ تركيا بعد خمس سنوات كاملة ترضخ للحلّ السياسي وفق خريطة الجيش السوري وليس وفق مشروع المنطقة العازلة التي صدّع أردوغان بها رؤوس الحكومات حتى أنه كان يطالب فيها في خطبة الجمعة وصلاة العيد.
فهذا الإعلان التركي عن قبول الحلّ السياسي يشمل كلّ الأطراف لن يكون مرضياً للحلف السوري الإيراني الروسي إلا إذا تحوّل الى خطوات عملية تبدأ بإغلاق الحدود التركية أمام الإرهابيين الفارّين من سورية أو الذين يريدون دخول الأراضي السورية. وعلى تركيا حلّ نفسها من أيّ التزامات أخرى مع السعودية أو قطر وحتى «إسرائيل» في ما يخصّ الشأن السوري، قد يكون مثل هذا الأمر صعباً على أردوغان الآن، ولكنه ليس مستحيلاً، فتركيا تعيش اليوم وضعاً داخلياً قريباً من الانفجار، والجيش التركي لن يقبل أن يورّطه أردوغان بحرب طويلة لا يعرف أحد متى تنتهي، والاتحاد الأوربي الذي ما زال يمارس مع تركيا لعبة العصا والجزرة لقبولها كعضو يجد أنّ ملفات حقوق الإنسان في تركيا لم يعد ممكناً التستر عليها من قبل المفوضية الأوروبية، كما أعلنت منظمة «صحافيون بلا حدود» أنّ أنقرة تجاوزت كلّ الخطوط الحمر في قمع الصحافيين وتكميم الأفواه المعارضة لسياسة أردوغان.
اليوم تعيش تركيا حالة لا تحسد عليها من التخبّط السياسي، فالحلفاء العرب ليسوا بالقوة أو التأثير الذي يمكن أن يساند تركيا، واليوم تركيا متهمة من قبل مصر وعلى لسان وزير داخليتها بتدريب جماعة إرهابية كان لها دور في قضية اغتيال النائب العام في مصر بالتعاون مع «الإخوان المسلمين».
فبعد سنوات يجد أردوغان نفسه اليوم مجبراً على قبول ما كان يرفضة بالأمس، وأثبتت سياسته في المنطقة فشلها، وأنّ الحرب على سورية التي وُضع لها برنامج زمني قصير واعتبرها البعض نزهة في غوطة دمشق، تحوّلت الى لعنة تلاحق أصحابها… وما يحدث اليوم في تركيا سيحدث غداً في عواصم أخرى عربية وغربية، فالجميع منهك من هذه الحرب، والجميع بدأ يجري حسابات الربح والخسارة، ولكن من يمكن أن نستثنيه من كلمة الجميع هم المعارضة التي تسمّي نفسها مجموعة الرياض، فهذه المجموعة لا تعرف كيف تسير الأمور ولا تدرك ماذا تصرّح أو تقول ولكنها تتسلّم رواتبها مع نهاية كلّ شهر، وتحصل على الحجوزات الفندقية الجيدة وبدلات التنقل. ولهذا نجد أنّ مجموعة الرياض تصرّح خارج السرب مردّدة ما تسمعه في وسائل الإعلام المعادية للشعب السوري. وإذا استمرّت المصالحات الوطنية كما يجب ولم يعكرها تجار الحرب، فإنّ السوريين لن يحتاجوا الى مؤتمر أو اجتماع في جنيف أو غيرها.
والجيش السوري وحلفاؤه يسيطرون اليوم على نقاط مهمة تحجّم دور الجماعات الإرهابية. ويعلم السوريون اليوم أن أيّ جماعة مسلحة لن تدخل في المصالحة الوطنية هي جماعة إرهابية، كما أنّ الجماعات المسلحة اليوم تجد نفسها مجبرة على إعادة الحسابات في الحرب التي تخوضها. وإذا كانت تركيا صاحبة أطول حدود مع سورية فشلت في حربها وتبحث لنفسها عن مخرج فكيف الذين يحاربون الشعب السوري ولا تربطهم حدود جغرافية مع سورية؟
لقد فشل أردوغان في لبس دور الخليفة وفشل في دور الحليف لـ«إسرائيل» وفشل في دور راعي المصالح الأميركية والأوروبية في المنطقة… والفشل يجر الفشل وتتحوّل أحلام استعادة السلطنة إلى كوابيس.