عمومية الصحافيين المصريين ونقابتهم
بشير العدل
جاءت استجابة الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين لدعوة مجلس النقابة للانعقاد العادي، والذي كان مقرّراً يوم الجمعة الماضي الموافق 4 آذار/مارس الحالي، إعمالاً للمادتين 32 و 33 من قانون النقابة رقم 76 لسنة 1970، سلبية مما أدّى إلى عدم اكتمال النصاب القانوني، ومن ثم إعادة دعوة المجلس للانعقاد بعد أسبوعين، على أن يتمّ الانعقاد حال اكتمال النصاب القانوني بنسبة 25 +1.
وفي محاولة لترجمة تلك النصوص القانونية إلى أرقام، فإنّ النصاب القانوني الذي كان مفترضاً حضوره هو على الأقلّ 4 آلاف عضو من أعضاء الجمعية العمومية، وإنْ كان زاد هذا العدد قليلاً بسبب انضمام أعضاء جدد إلى الجمعية العمومية.
وبحسب ما تمّ الإعلان عنه وبعد انتهاء الوقت الرسمي للتسجيل عند الساعة الثانية عشرة لم يحضر سوى 120 عضواً فقط أو ما يزيد قليلاً من جملة النصاب القانوني سالف الذكر، كان منهم 12 هم أعضاء المجلس بالإضافة إلى النقيب الزميل الأستاذ يحيى قلاش، وهو رقم لم يسبق له مثيل في تاريخ الجمعيات العمومية للنقابة.
وبعودة إلى الجمعية العمومية السابقة التي عقدت قبل عام من الآن، والتي تمّت الدعوة إليها لانتخاب النقيب والتجديد على نصف أعضاء المجلس، يتضح أنّ الاستجابة أيضاً لم تكن إيجابية بالقدر الكافي، فلم يكتمل النصاب القانوني من الدعوة الأولى، وتمّ عقدها بعد تأجيل أسبوعين بنسبة الربع +1 في وقت شكك فيه البعض من اكتمالها حتى بالربع.
غير أنّ ما حدث في عمومية يوم الجمعة الماضي، له دلالاته التي ينبغي على كلّ من مجلس النقابة ومعه الجماعة الصحافية التنبّه له وبشدّة، وعدم التعامل مع الأمر على أنه بسيط، أو مجرد دعوة عادية لمناقشة موضوعات تتعلق بالميزانية والأجور وشؤون المهنة وفقط، وإنما يمتدّ الأمر إلى أبعد من ذلك، ليحمل عدداً من الدلالات الهامة.
أولاً: إنّ استجابة الجمعية العمومية لدعوة مجلس النقابة، تكشف مدى علاقة الارتباط بينهما، لتأتي الاستجابة لتكشف أنّ ثمة شوائب عالقة في تلك العلاقة، ينبغي على المجلس العمل على إزالتها، باعتباره صاحب القرار، والقائم على تنفيذ قانون النقابة، وميثاق الشرف الصحافي.
ثانياً: قضايا المهنة بشكل عام والصحافيين بشكل خاص، لا تستحوذ على اهتمام الجمعية العمومية للنقابة، في حين أنها صاحبة القرار في كلّ ما يتعلق بالمهنة، أو بالصحافيين، سواء كان ذلك مرتبطاً بالتشريعات المطلوبة لضبط أداء المهنة والحفاظ على حقوق الصحافيين، أو بتطبيق قانون النقابة الحالي، رغم قِدمه.
ثالثاً: انشغال أعضاء الجمعية العمومية بالسعي وراء الرزق، والبحث عن عمل وفي بعض الأحيان المناصب هنا أو هناك، تاركين شؤون المهنة، مبتعدين عنها، ليس فقط بالمشاركة في مناقشتها خلال الجمعيات العمومية سواء العادية أو غير العادية، وإنما أيضاً من خلال الفعاليات التي تدعو إليها اللجان النقابية، سواء المنبثقة عن المجلس، أو حتى تلك التي تقوم بدور رقابي على أداء المجلس، مثل لجنتَي تقييم الأداء النقابي، ولجنة الدفاع عن استقلال الصحافة، وغيرهما من اللجان المعنية بالشأن النقابي، وتمارس أدواراً إيجابية من أجل إعلاء شأن المهنة والصحافيين.
رابعاً: وهي الدلالة الأهمّ بل والأخطر على الأقلّ عندي لغة التفاهم بين مجلس النقابة، وأعضاء الجمعية العمومية، وهي لغة ظهرت خلالها حرب كلامية، مما أدّى في النهاية إلى تراكمات كانت سبباً في الاستجابة السلبية لدعوة مجلس النقابة لعقد الجمعية العمومية سواء الأخيرة أو السابقة عليها.
الأمر في الحديث عن شؤون الصحافيين والنقابة خطير، وفي حاجة إلى مساحات أوسع، وفضاء أرحب، غير أنّ أموراً ينبغي أن يتنبّه إليها مجلس النقابة وتلتفت إليها الجمعية العمومية، وهي ضرورة التكاتف بين المجلس والجمعية العمومية، وأن يعطي أعضاء المجلس من وقتهم وخبرتهم أكثر للمهنة، وينبغي ألا تتحوّل عضوية المجلس إلى قاعدة للانطلاق إلى ما هو أهمّ وأكثر ثراء.
وينبغي على الجمعية العمومية عدم ترك الساحة للمجلس، يتحمّل وحده المسؤولية، صحيح هو ممثل للجمعية العمومية، لكن هناك ما هو مستجدّ من قضايا، تنبغي مشاركة الجمعية العمومية فيها، حتى تكون هي المرجعية الأولى في التشريعات والقرارات.
وأختم بأنّ العلاقة بين مجلس النقابة والجمعية العمومية في حاجة إلى إعادة صياغة، حتى يتمّ التناغم بينهما ويتمّ تحويل الاستجابة السلبية لدعوته إلى مناقشة أيّ من قضايا المهنة إلى استجابة بالحشد المكثف، وذلك حتى يكون الصحافيون هم المشرّعون الحقيقيون لقوانين تنظيم مهنتهم.
كاتب وصحافي مصري
مقرّر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة