هل تركيا شريك كفوء في أزمة اللاجئين؟
كتب أيكان إرديمير في «غلوبالست»:
رغم حجم المأساة الإنسانية التي سببتها أزمة اللاجئين السوريين، إلا أن آثارها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تتصل بالأزمة لم تحظَ بالانتباه الكافي من المجتمع التركي.
بحسب تقديرات مفوضية اللاجئين التي توضح حجم مأساة اللاجئين السوريين في تركيا، فإن حوالى 2.2 مليون لاجئ سوري من أصل 4.3 مليون لاجئ نزحوا صوب تركيا. وهذا الرقم يزيد على مجموع سكان ست دول من دول الاتحاد الأوروبي الـ28.
لشرح الأمر ببساطة، لا يمكن لتركيا التي ما انفكت تبتعد عن القيم الأوروبية ومعاهدة كوبنهاغن أن تكون شريكاً فعّالاً للاتحاد الأوروبي في جهوده للتعامل مع أزمة اللاجئين السوريين. هذا إلى جانب أن عجز الحكومة التركية الديمقراطية وغياب أدنى توافق داخلي حول الجهود المبذولة لحل الأزمة يمثل مخاطر جوهرية على المدى الطويل حيال قدرة أنقرة على التعامل مع الأزمة والتعامل الوثيق مع الاتحاد الأوروبي.
عندما تحولت الأزمة السورية إلى حرب بالوكالة ينخرط فيها متشددون، فشلت أنقرة في توقع الفشل المحتمل لحلفائها في سورية من الجماعات الإسلامية المسلحة. ولم يقتصر الفشل عند هذا الحد فحسب، بل إن حزب العدالة والتنمية، الذي يتولى السلطة منذ العام 2002، فوجئ بأزمة اللاجئين ولم يتوقع إخفاق جهوده الفاشلة الرامية لإعادة رسم السياسة السورية عبر إزاحة نظام بشار الأسد واستبداله بحكومة تقودها جماعة الإخوان المسلمين.
ما تزال أنقرة تتحفظ على معاهدة جنيف الخاصة بمنح حق اللجوء للنازحين، ولذا فقد رفضت منح حق اللجوء إلى النازحين السوريين، وقبلت بمنحه فقط إلى طالبي اللجوء المتجهين نحو أوروبا. فبالنسبة للسوريين وغيرهم من طالبي اللجوء من خارج أوروبا، تعتبر تركيا نفسها محطة موقتة فقط نحو وجهة ثالثة حيث يمكن منحهم حق اللجوء.
وهذا يناقض ما فعلته تركيا منذ 2011، عندما كانت تنظر إلى النازحين كضيوف وفتحت حدودها على مصراعيها لعدد ضخم من السوريين الفارين من الحرب الأهلية، وأنفقت بسخاء، حوالى 9 مليار دولار، لاستقبال النازحين السوريين، وذلك ظناً منها أن الأزمة عابرة.
وعندما تعمقت الأزمة الإنسانية، أعيد تصنيف اللاجئين على أنهم أشخاص في حاجة إلى حماية موقتة. ولكن عندما فقدت الحكومة أخيراً الأمل في عودة اللاجئين إلى وطنهم، بات يُنظر إلى النازحين السوريين على أنهم جزء من طالبي اللجوء من مختلف دول العالم الباحثين عن الاستقرار في بلد ثالث ويتبع ذلك الاعتراف بحق اللجوء.
ونتيجة ذلك، هو أن من يفشلون في الاستقرار في بلد ثالث، وتشير التجربة إلى أن معظم النازحين في سورية يفشلون في ذلك، يعانون غالباً من نيل مبتغاهم دون الاندماج بشكل كامل في المجتمع التركي، بما يحيل تركيا إلى غرفة انتظار دائمة.
من أجل ترويج وجهة نظرها الدينية محلياً وعالمياً، استخدمت الحكومة التركية الرمزية الإسلامية فحولت الجهود العامة والخاصة لاستقبال اللاجئين من مسؤولية إنسانية إلى واجب ديني.
تنظر المعارضة التركية إلى أزمة نزوح اللاجئين ومعاناتهم على أنها دليل على التكاليف السياسية والإنسانية لفشل السياسات الإقليمية التي يتبعها الحزب الحاكم، وهي سياسات تتسم بالطائفية وشن حرب بالوكالة ودعم المتطرفين وخرق القانون الدولي.
كما تدرك حكومة حزب العدالة والتنمية أن الناخب التركي قد يرى استمرار أزمة تدفق اللاجئين السوريين كنتيجة للسياسة الخاطئة المتبعة اتجاه الأزمة السورية. وبسبب الانتقادات الموجهة إليه، منع الحزب أعضاء في المعارضة من زيارة ومراقبة مخيمات اللاجئين.
انتهى الحال بالكثير من اللاجئين السوريين إلى الاستجداء، والتشرد، والاستغلال، وعمالة الأطفال، والزواج القسري، وحتى العبودية أو الرق، وذلك بعد أن وقعوا في مرمى نيران الدعاية الحكومية وانتقادات المعارضة، فبات اللاجئون السوريون يعيشون في ظل ظروف محفوفة بالمخاطر. فهم غير قادرين على تسوية وضعهم كمهاجرين من خلال الحصول على تصاريح الإقامة أو تصاريح العمل الدائمة، ويعتمدون على تقدير الحكومة التركية فضلاً عن حسن الضيافة والتسامح في المجتمع.
يتعين على السوريين أيضاً التعامل مع الرأي العام الذي ينقلب ضدهم بشكل تدريجي بسبب الزيادة المضطردة في أعدادهم. حيث تظهر استطلاعات الرأي أن المواطنين الأتراك يشعرون بقلق متزايد إزاء المنافسة الاقتصادية والجريمة الناتجة من نزوح اللاجئين السوريين وأن 58 في المئة منهم يعارضون منح حق المواطنة للنازحين السوريين. وذلك رغم أن أيّاً من الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان التركي لا يدلي بتصريحات معادية للمهاجرين.
لذا فليس لدى السوريين سوى أمل ضئيل في الاستقرار الدائم في تركيا. وهذه حياة محفوفة بالمخاطر هي أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى نزوح السوريين من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وخارجه.
من أجل الاستفادة القصوى من الأزمة، ترى الحكومة التركية صعود الأحزاب الشعبية التي تعمل على مكافحة المهاجرين ومنصات معاداة الإسلام في جميع أنحاء أوروبا بمثابة فرصة فريدة من نوعها في تعاملها مع الاتحاد الأوروبي.
تعاني تركيا منذ أمد طويل حيال عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي المتعثرة. وتعتقد أنقرة لسبب وجيه أن الأحزاب الأوروبية تحتاج إلى من يعمل على تغيير قواعد اللعبة في سياسة الهجرة من أجل المنافسة في الجولة المقبلة من الانتخابات ضد الأحزاب المعادية للمهاجرين. لذا فهي تستغل بمهارة أزمة اللاجئين السوريين كورقة ضغط ضد الاتحاد الأوروبي لإعادة تنشيط محادثات عضويتها.
ورغم خطاب تركيا العاطفي حيال أزمة اللاجئين السوريين، إلا أن مفاوضات الحكومة المستمرة مع الاتحاد الأوروبي لا علاقة لها بأزمة المهاجرين، إنما الهدف منها هو تحقيق مكاسب سياسية على الجبهة الداخلية والدولية.
يدرك أردوغان تمام الإدراك يأس القادة الأوروبيين بسبب أزمة اللاجئين. فهم على استعداد الآن لمتابعة العلاقات مع تركيا على حساب السياسات القائمة على القيم.
على الرغم من كل المعوقات على المستوى الوطني والإقليمي، يتعين على الاتحاد الأوروبي الاستمرار في التعبير لتركيا عن أن الانضمام الاتحاد يتم أولاً وقبل كل شيء عن طريق الالتزام قيمه، إلا أن دول الاتحاد الأوروبي أرسلت دول الاتحاد رسالة معاكسة.
ففي قمة تشرين الثاني 2015، سعى الاتحاد الأوروبي إلى استرضاء تركيا عن طريق الوفاء بقائمة مطالبها في حين غض الطرف عن العجز الديمقراطي الذي يصيب تركيا، فقد تجاهلت دول الاتحاد قمع تركيا للأقليات خصوصاً الأكراد ، وتشنّ حملة على وسائل الإعلام المعارضة والمستقلة، بما يتناقض مع معاهدة كوبنهاغن. وقد أظهر هذا المدى الذي يمكن أن تستخدم فيه أزمة اللاجئين كوسيلة ضغط ضد الاتحاد الأوروبي.
وحتى عند ترك كل هذه الألاعيب السياسية جانباً، فإنه من غير الواقعي أن نتوقع أن تنجح تركيا بمفردها فيما فشلت فيه الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وكما ذكر رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك خلال قمة تشرين الثاني «لا يمكن للاتحاد الأوروبي الاستعانة ببلد ثالث تسند إليه مهمة حماية الحدود الخارجية للاتحاد».
وعلى الأرجح سيعثر اللاجئون السوريون، الذين تحايلوا حتى الآن على إجراءات الاتحاد الأوروبي لتقييد وتنظيم تدفقات الهجرة، على سبل للتغلب على محاولات تركيا لمنع تدفقهم.
وعند استشراف المستقبل، يبرز اعتباران، أولاً، أن الاستراتيجية الأكثر فعالية واستدامة لمنع نزوح جماعي للاجئين هي منع الأنظمة الاستبدادية من تنفيذ أعمال وحشية تجاه مواطنيها.
ثانياً، وبشكل كامل يجري تجاهله حتى الآن أن تركيا تنزلق نحو مزيد من الاستبداد تحت حكم الغالبية لحزب العدالة والتنمية بما سيؤدّي إلى تفاقم أزمة اللاجئين لا الحدّ منها. وحتى لا ننسى، فقد تدفق الآلاف من اللاجئين السياسيين الأتراك على أوروبا في الثمانينات والتسعينات وكان معظمهم من الأكراد.
إن سياسة استرضاء تركيا على أمل تحويلها إلى حارس حدود كفؤ لن تحوّل أوروبا إلى حصن منيع، وذلك مثلما يأمل البعض في الاتحاد الأوروبي، إنما ستتحوّل تركيا إلى سجن كبير.
بتنحية مشكلة سورية جانباً، ما هو أكثر إحباطاً لملايين المواطنين الأتراك الذين ناضلوا طويلاً ضد الاستبداد والتسلط وإظهار ولائهم الذي لا ينضب لقيم الاتحاد الأوروبي، هو المدى الذي فشل إليه الاتحاد الأوروبي في إظهار أي التزام حقيقي، وتعاون مع الأتراك.
إن حكم تركيا استبدادي يبتعد عن القيم الأوروبية والحكم الديمقراطي لا يمكن أن يكون شريكاً فعالاً في جهود الاتحاد الأوروبي للتعامل مع أزمة اللاجئين السوريين.