واشنطن… ورسائل عكسية

فاديا مطر

بعد جملة التطورات المتواترة في المنطقة العربية وتداعياتها الدولية التي تشوبها أسئلة كثيرة، وفقدان مشروع «الشرق الأوسط الجديد» بعده ومرتكزاته، تتموضع على الطاولات السياسية والعسكرية مبهمات جمة، فالولايات المتحدة التي فقدت عجلة إدارة المرحلة أصبحت على عتبة خطوات بدأت تتكشّف تباعاً آثارها في منطقة الشرق الأوسط تجاه بعض الحلفاء الذين بدأوا يزيدون الضغوط عليها. فهل السياسة الأميركية تجاه السعودية وتركيا ستنتج تغيراً في المتغيرات الجارية؟

طبعاً، فحديث الرئيس الأميركي باراك أوباما لصحيفة «ذي أتلانتيك» في 10 آذار الحالي وتصريحاته عن بعض حلفاء واشنطن في منطقة الخليج وأوروبا ووصفه إياهم بـ «القوى الجامحة التي تسعى إلى جرّ الولايات المتحدة إلى صراعات طائفية لا مصلحة لها فيها». فقوله «إنّ على الرياض أن تدرك كيفية تقاسم النفوذ في المنطقة مع إيران» يدلّ على انقلاب النظريات بين الحلفاء من الجانبين وتبدّل في جسور الجغرافية السياسية التي تحكم معادلات النفوذ. فالأزمات التي استجدّت بين أنقرة وواشنطن، على خلفية تأكيد الأخيرة عدم اعتبارها حزب الاتحاد الديمقراطي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني وعدم تغيير موقفها من اعتبار الحزب الديمقراطي منظمة إرهابية، بحسب ما جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيري في 10 شباط الفائت، جعلت مستوى استثمار التواصل في أدنى مستوياته، وانسحبت بالتالي على الوضع السعودي، في المضمار نفسه، بعد محاولات السعودية جرّ واشنطن نحو الانخراط في معركة عسكرية في سورية، وفشل تحالفها «الإسلاموي» في تغيير معادلات وازنة في الميدان السوري مع التحسُّن الإيجابي في العلاقات السورية ــــ الكردية ومسارعة أنقرة إلى التحذير، خصوصاً بعد استمرار الهدنة التي ضمّت مزيداً من المشاركين فيها من قادة المجموعات المسلحة في سورية، وهو ما يجعل الطريق معبّداً لترتيب بعض غرف البيت السوري، وانحسار المواجهة وتركيزها في وجه تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة»، وهو ما وضع تركيا والسعودية في إطار محاولات التهويل والتحذير والمراجعة. فهل هناك حقاً مراجعة سياسية إقليمية تجاه الوضع السوري؟

يبدو ذلك واضحاً وجلياً بعد الصدمات المتوالية والخسارات الكبيرة والمتعدّدة الجوانب لمحور واشنطن، والتي شكلت ضربة استراتيجية لنموذج التحالف الغربي مع بعض حكومات الإقليم التي تدعم منظمات إرهابية كانت متغيراً أساسياً في إعادة تدوير علاقات الحلفاء لتنتج ما هو أقلّ جودة، وهو ما شكّل، بدوره، تحللاً نوعياً لنسبة العلاقات الأميركية مع بعض الحلفاء، وهو ما قرأته موسكو بعناية وتعاملت معه بكلام صدر أمس، عن وزير خارجيتها سيرغي لافروف الذي قال إنّ تركيا هي الدولة الوحيدة التي تمنع انضمام الأكراد إلى مفاوضات جنيف، ولا يجوز الشروع في تشكيل هيئة انتقالية في سورية من دون مشاركة الأكراد «وهذا ما يُحبط مخططات دول تحاول التقسيم على أسس طائفية وقومية وإثنية، وما جعل الخطة البديلة التي حاولت واشنطن تسويقها عبر بعض الأطراف لإسقاط الهدنة وتحميل سورية المسؤولية، تتهاوى تحت استمرار الهدنة وفقدان البدائل، لتكون كلّ مقولات أصحاب البدائل «ليس بالإمكان أفضل ممّا كان»…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى