إيران و«صديق الشدّة»
إنعام خروبي
منذ توقيع الاتفاق النووي بين إيران والغرب، والحديث يكاد لا يتوقف عن الآثار الاقتصادية الواعدة للحدث بين العالم وطهران. فالأخيرة تجد نفسها بين الحفاظ على «الشراكات القديمة» مع دول كالصين وروسيا، وتمتين التبادل الاقتصادي والتجاري مع كلتا الدولتين، وبين خيار إعادة الزخم إلى العلاقات الاقتصادية مع الدول الغربية، وهو ما يراه بعض المحللون أشبه بـ «شراء سمك في بحر».
ففي العاشر من الشهر الحالي، قال محمد نهاونديان مدير مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني إنّ إيران في حاجة للوصول بشكل كامل إلى النظام المصرفي الدولي في أقرب وقت ممكن، مضيفاً أنّ لندن يمكنها أن تلعب دوراً مهماً في هذا الشأن في أعقاب رفع العقوبات.
وقال نهاونديان في كلمة في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن «إنّ البنوك غير الأميركية يجب عدم تقييدها بأي نوع من التعاملات المصرفية مع البنوك الإيرانية». يُشار إلى أنه في كانون الثاني انتهت العقوبات الدولية ضدّ إيران، بما في ذلك القيود المصرفية بمقتضى اتفاق مع القوى العالمية وافقت بموجبه طهران على كبح برنامجها النووي، فيما العقوبات الأميركية التي تتضمن حظراً على التعاملات الدولارية وتجميداً لمشاركة البنوك الأميركية في تمويل التجارة مع إيران لا تزال سارية، ما يدفع البنوك غير الأميركية إلى توخّي الحذر في تعاملاتها مع إيران خشية أن تُتّهم بمخالفة العقوبات القائمة.
لكنّ التصريح الأهم، في هذا السياق، جاء من «المرشد» السيد علي الخامنئي عندما قال إنّ اقتصاد الجمهورية الإسلامية لم يستفد حتى الآن من الوفود الغربية التي زارت طهران لعدم التزامها بتعهُّداتها.
في المقابل، تتواتر تقارير حول اقتراب شركتين صينيتين من التوصل لاتفاقات قيمتها مليارات عدة من الدولارات مع إيران لبناء خط للقطارات السريعة وتطوير أسطولها للسفن التجارية في أعقاب رفع معظم العقوبات عن طهران، علماً أنّ الصين هي أكبر شريك تجاري لإيران، وقد اتفق الجانبان مؤخراً على مضاعفة التجارة الثنائية أكثر من عشر مرات لتصل إلى 600 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.
بعد رفع العقوبات الدولية عن إيران، وفي إطار سياستها لدعم حضورها الاقتصادي في الشرق الأوسط، تضع بكين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضمن سياستها لزيادة التجارة وفتح أسواق جديدة لشركاتها مع تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني. فبكين، وبحسب مجلة «فورين أفيرز» هي الحليف الذي سيقع عليه الاختيار في حال وُضع الصينيون في مكان يضطرون فيه لاختيار حليف وحيد في المنطقة لأسباب تتراوح بين جيوسياسية واستراتيجية واقتصادية. وتنظر طهران، بدورها، إلى «حليفها الآسيوي» نظرة امتنان، وهو ما ظهر في تصريحات رسمية إيرانية وصفت الصين بـ «صديق الشدّة». ومن بين الأدلة التي نوردها على ذلك، هو ما تطرقت إليه هيلاري كلينتون في مذكراتها الصادرة في كتاب عنوانه: «خيارات صعبة»، حول العلاقات التجارية الواسعة التي تملكها الصين مع طهران واعتمادها على النفط الإيراني لتلبية نموها السريع في الصناعة، كأحد أبرز أسباب تصلُّبها حيال القضية النووية الإيرانية في مجلس الأمن الدولي، حيث تقول وزير الخارجية الأميركية السابقة، والمرشحة الحالية للرئاسة في الولايات المتحدة، غداة جهودها لتشديد العقوبات على الجمهورية الإسلامية: «كانت الصين تعترض على بنود رئيسة في مسودة قرار العقوبات، لا سيما منها اتخاذ تدابير مجدية على صعيد الحراك المالي والمصرفي المتعلق مباشرة بنشاطات إيران النووية غير المشروعة». ويُلاحظ المراقبون أنه، ومنذ تسلم الرئيس الحالي شي جين بينغ مقاليد السلطة في بكين قبل نحو عامين، ما انفك الرئيس الصيني يروِّج لبرنامج «حزام واحد، طريق واحد» للاستثمار في السكك الحديدية والطرق السريعة والموانئ والبنية التحتية الحيوية الأخرى في جميع أنحاء أوراسيا، من وسط الصين إلى ساحل المحيط الأطلسي في أوروبا الغربية، مروراً بوسط آسيا وإيران ودول أخرى في الشرق الأوسط، كما تمتلك الصين احتياطيات من النقد الأجنبي تتجاوز ثلاثة تريليونات دولار، أوضح الرئيس الصيني أنه مستعد لإنفاقها على مشروعه «حزام واحد، طريق واحد».
تجد التوقعات بعودة إيران سريعاً إلى سابق عهدها في الأسواق العالمية والاقتصاد الدولي بعد «اتفاق فيينا»، مَن يخالفها، ويذكر أحد التقارير الصادرة عن الشركة العربية للاستثمارات البترولية «أبيكورب»، أنّ طموحات طهران لاستعادة قدراتها الكاملة لتصدير النفط بعد رفع الحظر الاقتصادي الغربي عنها سيستغرق سنوات عدة وليس أشهراً على الأرجح. وعلى هذا الأساس، حظيت زيارة الرئيس الصيني إلى طهران، كأول رئيس يزور إيران منذ رفع العقوبات الدولية، باهتمام بالغ، حيث أعدّت وكالة «شينخوا» الصينية تقريراً بعنوان «الشرق الأوسط يتطلع إلى الصين من أجل التنمية والفرص»، وأبرزت مجلة «نيوزويك» خطط طهران وبكين لتوسيع العلاقات وتعزيز التجارة. ويتوازى ذلك مع بروز توجهات صينية تحيد عن النهج التقليدي الأكثر حذراً في القضايا الدولية نحو انخراط أكبر ليس فقط على المستوى الاقتصادي، ولكن على المستوى السياسي أيضاً.
وعلى كلا المستويين، ستبقى العلاقات السياسية الاقتصادية بين طهران وبكين متينة حتى إشعار آخر، لا سيما أنّ مناخ انعدام الثقة ما زال يخيم على ضفتي العلاقات الإيرانية ــــ الغربية.