الانتخابات الرئاسية تفرض نفسها على المشهد السياسي والسباق يحتدم بين مرشحي «الجمهوري» و«الديمقراطي» ترامب وكلينتون

ستستمر لوحة الانتخابات الرئاسية في تصدُّر المشهد السياسي الأميركي، مروراً بالتئام مؤتمري الحزبين تباعاً في شهر تموز، وتتوج في شهر تشرين الثاني المقبل. التقلبات والمتغيرات المستجدة تفرض نفسها بقوة أيضاً أمام خريطة يتصدرها المرشح الأقوى والمنبوذ عن الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، ومنافسته عن الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون.

في بُعد العلاقات الدولية، تلقّت واشنطن الرسمية «إهانة ديبلوماسية» مفاجئة بإعلان رئيس الوزراء «الإسرائيلي،» بنيامين نتنياهو إلغاء زيارته المُقرّرة لواشنطن.

سيستعرض قسم التحليل تطور وتداعيات «الإعلان،» لما يمثله من إقرار بتراجع قدرة الإدارة الراهنة على التأثير في المسار السياسي، و«ضرورة القفز» عنها وتخطيها للإعداد للمرحلة المقبلة في ظلّ تسلم الرئيس الجديد مهمّاته. كما تؤشر إلى أنّ الرئيس المقبل، كائناً من كان، سيصطفّ إلى جانب «إسرائيل»، تعزِّزها تصريحات المرشحين المختلفة وبازار المزايدات في صلابة التزامهم بأمن «إسرائيل».

ووجه مسؤولون كباراً في البيت الأبيض اتهامات مباشرة لمراكز الأبحاث الأميركية، من دون تحديد هويتها، كونها أضحت بؤر ارتزاق مرهونة للسعودية ودول الخليج الأخرى تتلقى منها ملايين الدولارات للإنفاق على أجنداتها. ولفت بعض كبار مستشاري الرئيس أوباما إلى وجود شعور واسع النطاق داخل أروقة البيت الأبيض بأنّ بعضاً من أهم مراكز الأبحاث المرموقة في شأن السياسة الخارجية منخرط في تقديم خدمات وتقارير لمموليه العرب و الممولين المؤيدين لـ«إسرائيل»، وقد وصف أحدهم المراكز بأنها «أرض عربية محتلة.»

الصحافي جيفري غولدبيرغ في مجلة «أتلانتيك،» عدد نيسان 2016.

سورية

في تغطية منفصلة، أعرب «معهد الدراسات الحربية» عن اعتقاده بأنّ «جبهة النصرة تشكل خطراً أكبر من الدولة الإسلامية، خاصة عند النظر إلى آليتها في تسخير علاقاتها في خدمة المجتمع المدني والسكان المحليين والمجموعات السورية المعارضة، وتبرع في التلاعب بهم جميعا لتحقيق سيطرتها». وأضح أنّ «النصرة ستسخِّر الشرعية التي فازت بها لتدخل المجتمع السوري بأكمله في إطار تقبله لتنظيم «القاعدة»، وشرعت في إنشاء تعبيرات وأطر الحكم في مناطقها لتأطير آراء المجموعات المسلحة والمدنيين في نطاق معتقداتها الدينية.» ولفت المعهد الأنظار إلى ما تقوم به «النصرة» من حملة واسعة «لتجنيد الأطفال في معسكرات ذات طابع ديني وتلقينهم عقيدتها لضمان مواصلة حربها المستقبلية ضدّ الغرب».

شكلت معركة مدينة حلب محور اهتمام «معهد الدراسات الحربية»، من البعد العسكري، «لما لها من تداعيات على الأمن القومي الأميركي». وأوضح أنّ قوى «المعارضة» المدعومة أميركياً داخل المدينة «لن يكن بمقدورها التصدي لمحاولات محاصرة حلب، بل وربما لن تستطع البقاء على قيد الحياة في ظلّ استمرار الحصار، ومن سيحالفه حظ البقاء سيرضخ للتسليم لقيادة جبهة النصرة والعناصر المتشدّدة الأخرى». وحذر صُنّاع القرار في واشنطن من «الاستمرار في نهج التقاعس عن العمل أمام روسيا وتضييق النظام الطوق على حلب، مما سيترتب عليه خسارة الرهان الأفضل لنا لإنشاء مجموعات معارضة غير جهادية باستطاعتنا العمل معها».

عبّر «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» عن عظيم قلقله من تمكُّن «جبهة النصرة من السيطرة على أي منطقة آمنة تقيمها الولايات المتحدة بالتعاون مع تركيا وحلفائها الآخرين»، مناشداً صُنّاع القرار «فتح العيون ومشاهدة حقيقة الوضع المتبلور في الشمال السوري والتوقف عن التكهُّن بقيام «المعارضين المعتدلين بمنازلة «الجهاديين بمفردهم، فالميليشيات المدعومة من الغرب لا تمتلك القوة الكافية لقيامها بتعديل موازين القوى داخل مجموع قوى المعارضة». وأوضح أنّ «إنشاء منطقة آمنة بقرار دولي، يستدعي تخصيص أعداد كبيرة من قوات حفظ السلام لتقويض جهود جبهة النصرة تعزيز مواقعها هناك». واستدرك بالقول إنّ النظر في «قوات حفظ السلام ليس مُدرجاً على جدول أعمال الدول الغربية، بيد أنه قابل للتغيير». ويراهن المعهد على نشوب صدامات مسلحة بين القوى «الجهادية» المختلفة تبرز فيها قوات «جند الأقصى والحركة الإسلامية لشرقي تركمنستان».

السعودية

تأزم العلاقات الثنائية الأميركية ـ السعودية كانت محور نقاش معهد «كاتو» الذي اتهم الرياض بأنها «دأبت على اتخاذ تدابير مستمرة من شأنها تقويض الأمن الأميركي، منذ عقد الثمانينات» إبان الحرب الأفغانية ودعمهما المشترك «للمجاهدين الأفغان.» وأوضح أنّ «المسؤولين السعوديين تفاعلوا بقوة مع أجهزة الاستخبارات الباكستانية بغية إيصال الجزء الأكبر من المساعدات المالية والعسكرية للقوى الإسلامية الأشدّ تطرفاً»، لافتاً إلى «أنّ دعم السعودية للمتشدّدين في أفغانستان كان يتفق مع سياساتها العامة في الإقليم».

العراق

اعتبر معهد «كارنيغي» أنّ الحكومة العراقية تواجه تحدياً داخلياً لاختلال «التمثيل السني، وفقدان الثقة السياسية» والذي أضحت الحكومة بحاجة ماسة إليه «يعينها على إطلاق صحوة سنية أخرى» لردّ الاعتبار إلى هيبة الدولة. وحذّر من أنّ الاستناد إلى «القوة العسكرية وحدها لن يفلح في التغلب على تنظيم الدولة الإسلامية،» ما يستدعي الحكومة المركزية المبادرة لتقديم «ضمانات لتقاسم السلطة، منها إدانة قوات الحشد الشعبي المتهمة بارتكاب أعمال عنف، اجتثاث تسييس القضاء، مساندة اللجنة الانتخابية، آلية أفضل في عملية اجتثاث البعث». وأوضح أنّ الآمال السابقة المعقودة على حيدر العبادي «فشلت في استرضاء السنّة … وتواصلت جهود تجاهل صوت السنة، خاصة بعد إضفائه الاعتراف الرسمي بقوات الحشد الشعبي كجزء من قوات الدولة الرسمية» وحرمان «السنّة» من الأسلحة. وأضاف المعهد أنّ إقرار الرئيس أوباما، نهاية 2015، ببطء تقدم صيغة «الصحوة السنية الثانية» ودعمه لجهود الاستقرار «شكّل مسألة حساسة من شأنها التأثير على عودة محتملة للسنة والانخراط» في العملية السياسية. وختم بالقول إنّ الأمل لا يزال معقوداً على «حدوث تغيير حقيقي في الحكومة المركزية وتبلور قيادة موحدة لتمثيل صوت السنة، يهيئ لإطلاق صحوة سنية أخرى».

إيران

دقّ معهد «واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» أجراس الخطر لما اعتبره «إنشاء إيران لحزب الله ثانٍ في سورية،» نظراً لانخراط قوات إيرانية ومن حرسها الثوري في صدّ خطر المجموعات المسلحة عن سورية. وزعم المعهد أنه منذ بدء عام 2014 «اتخذت ميليشيات سورية مختلفة اسم «حزب الله» في سورية، منها «جيش الامام المهدي،» «المقاومة الوطنية العقائدية في سورية»، و«الغالبون ـ سرايا المقاومة الإسلامية في سورية». واستعرض المعهد فصائل مقاتلة أخرى نشطت في ريف حلب وبالقرب من الحدود السورية ـ الأردنية، والحدود اللبنانية أيضاً. وأضاف أنّ «إيران اتبعت النموذج الذي استخدمته في العراق» على الساحة السورية يستند إلى «تطوير ميليشيات من أحجام مختلفة .. لنشر القوة الإقليمية». وخلص بالقول إنّ «استمرارية الحرب في سورية سوف تُبقي الجماعات الشيعية المسلحة على ما هي، وتستمر إيران في تعزيز موطئ قدمها في المجتمع الشيعي في المشرق».

أفغانستان

واكب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية التعديلات التي أدخلتها إدارة الرئيس أوباما على استراتيجيتها في أفغانستان، وأصدر دراسته المُعدّلة الخاصة بالمرحلة الانتقالية التي ستمتدّ إلى ما بعد عام 2017 «عوضاً عن الهدف الأول نهاية العام الحالي». وأضاف: «إنّ التدقيق في بنود ميزانية الدفاع الأميركية يشير إلى «أنّ الإدارة لا تنوي توفير طواقم للتدريب والمساعدة للقوات الأفغانية الخاصة أو على مستوى الوحدات القتالية كما أنها لا تنوي تقليص مجموع القوات الأميركية بنسبة 50 في المئة تقريباً مع نهاية عام 2017». وأعرب المركز عن اعتقاده بأنّ «ميزانية الإدارة المقترحة لا يبدو أنها كافية للإبقاء على قوة قتال أفغانية بوسعها تحمُّل خسائر ميدانية، كما أنها لن توفر دعماً جوياً أميركياً أو المساهمة في إنشاء سلاح جو أفغاني مقتدر».

«جرأة أوباما» في انتقاد الحلفاء تستثني إهانات نتنياهو.. الدعم المُطلق للكيان

استهجنت واشنطن الرسمية عدم إبلاغها إلغاء لقاء الرئيس باراك أوباما ورئيس حكومة «إسرائيل» بنيامين نتنياهو، المُقرّر في 17 الشهر الحالي، وعلمت به «عبر وسائل الإعلام». الرئيس أوباما أعلن مسبقاً أنه سيقوم بزيارة تاريخية لكوبا يومي 21 و 22 من الشهر الحالي.

وأوضح البيت الأبيض، في بيان مقتضب، أنّ الرئيس أوباما «كان يتطلع إلى عقد لقاء ثنائي، وفوجئنا بأن علمنا، للمرة الأولى، عبر تقارير إعلامية أنّ رئيس الوزراء اختار إلغاء زيارته بدلاً من قبول دعوتنا».

في جانب الحيثيات، نقلت يومية وول ستريت جورنال، 8 آذار الحالي، عن مسؤولين أميركيين كباراً أنّ واشنطن تنوي بحث ملامح تحركات مقبلة لإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط قبل نهاية ولاية الرئيس أوباما «ومطالبة إسرائيل بوقف البناء في المستوطنات كلياً والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، بينما سيعترف الفلسطينيون بإسرائيل دولة يهودية ويتنازلون عن حقّ العودة».

واكبت الحادثة «العرضية» اتصالات مكثفة على أعلى المستويات، لا سيما العسكرية والاستخباراتية، بين الطرفين تمهيداً للاتفاق على نصّ «اتفاقية التفاهم» للعقد المقبل تتضمن جملة قضايا لصالح «إسرائيل،» بدءاً بزيادة الدعم والهبات المالية المخصّصة، وتحمُّل واشنطن كلفة إنتاج منظومة جديدة من الدفاعات الصاروخية .. إلخ.

الرهان «الإسرائيلي» يتمحور حول الفوز بمساعدات مالية مباشرة تتراوح بين 10-15 مليار دولار للشؤون العسكرية، بينما أعربت إدارة الرئيس أوباما عن استعدادها لزيادة مساعداتها بنحو 5 مليارات دولار على امتداد العقد المقبل، عوضاً عن الهبات الراهنة بقيمة 3،1 مليار دولار سنوياً.

كان ملفتاً أيضاً نشر الصحافة الأميركية تفاصيل مقابلات متواصلة مع الرئيس أوباما وكبار مستشاريه وأعوانه تهيئة لسردية الإرث الرئاسي قبل نهاية ولايته، لعل أبرز قضاياها كانت إقراره بخطأ الغزو الدولي لليبيا والوعي لعدم الانجرار وراء نزعة التدخل العسكري في سورية، كما رمى إليها «حلفاء الولايات المتحدة من دول الخليج وبعض الدول الأوروبية.»

ونسبت إلى أوباما أنّ حلفاء أميركا في منطقة الخليج «يتطلعون إلى جرّ الولايات المتحدة إلى صراعات طائفية طاحنة لا تمتُّ بصلة في بعض الأحيان للمصالح الأميركية». وأضافت إنّ الرئيس أوباما دأب خلال المقابلات على «وصف بعض حلفاء أميركا، في الخليج وأوروبا، بأنها قوى جامحة … تتهيأ لحضورنا واستخدام قوتنا العسكرية في مواجهة حاسمة ضدّ إيران، بيد أنّ الأمر لا يخدم المصالح الأميركية أو مصالح الدول الإقليمية».

وأوضح أوباما أنّ مصالح بلاده تقتضي «إخراج الولايات المتحدة من الصراعات الدموية في الشرق الأوسط حتى يتسنى لها التركيز بصورة أكبر على أجزاء أخرى، مثل آسيا وأميركا اللاتينية.» كما «لم يبدِ تعاطفاً كبيراً مع السعوديين» على خلفية إبرام الاتفاق النووي مع إيران، مذكراً الرياض بأنه يتعين عليها إدراك «كيفية تقاسم المنطقة مع عدوها اللدود، إيران».

ملف المقابلات، في شهرية «أتلانتيك»، واسع ويمتد على نحو 70 صفحة، تطرق إلى جملة قضايا أساسية، خاصة في المستوى الدولي والتحالفات الراهنة والأجندة الأميركية في مواجهة تعدُّد القطبية الدولية. اللافت في الملف المتكامل خلوه من المرور أو انتقاد «السياسة الإسرائيلية» ونقاط التباين والافتراق بينها وبين الاستراتيجية الأميركية، وما آلت إليه من «تجميد مسار المفاوضات،» الذي تعهد بحله وزير الخارجية جون كيري فور تسلمه مهمّات منصبه في غضون تسعة أشهر.

نتنياهو يتلذذ بإهانة أوباما

اتخذت الادارة الأميركية إجراءات فورية «لتطييب خاطر» نتنياهو ورهطته بعدم إجراء أي تعديل في جدول نائب الرئيس جو بايدن لزيارة تل أبيب ولقاء نتنياهو ومسؤولين آخرين. بايدن الذي لا يترك مناسبة إلا ويؤكد على «صهيونيته» والتزام بلاده «بأمن إسرائيل،» تزامنت زيارته مع مشهد استمرار انتفاضة أصحاب الأرض على الاحتلال بمقتل جندي أميركي «سابق»، طعناً، في وسط مدينة تل أبيب، قيل لاحقاً إنه خدم أيضاً في العراق وأفغانستان.

بصرف النظر عمّا ستُسفر عنه زيارة بايدن وتقديمه وعوداً وإجراءات إضافية بزيادة معدلات الهبات والمعونات الأميركية، العنصر الثابت في هذه الحركة هو إقلاع نتنياهو وآخرين عن التجاوب مع طلبات وحوافز تقدمها الإدارة الأميركية، وعقد المراهنة على الرئيس المقبل، وعمل كلّ ما بوسعه لحرمان الرئيس أوباما من تحقيق أي إنجاز يذكر في ما تبقى له من ولايته الرئاسية.

تقرير «وول ستريت» سالف الذكر، فيما يخصّ نية أوباما التوجه إلى الأمم المتحدة لفرض إطار للتسوية، لم يجرِ نفيه من قبل الإدارة الأميركية، الأمر الذي عزز الشكوك بأنّ النبأ شكل خلفية «تباين» الطرفين، خاصة لما يتضمنه من طلب بقوة القرار الدولي بوقف المستوطنات.

أميركا روّجت لتلك الخطوة عبر فرنسا منذ أيام قليلة بإعلان الأخيرة عن عزمها التوجه إلى الأمم المتحدة لضخّ «دماء جديدة» في مسار التسوية المتعثر، مهّدت لها بنية إعلانها الاعتراف بما يسمى دولة فلسطينية. جدير بالذكر أنّ المبعوثة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة سامانثا باور، أوضحت في شهادة لها أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، العام الماضي، أنّ الإدارة لا تنوي استخدام حقّ الفيتو لمعارضة قرار أممي ينصّ على «دولة فلسطينية».

يخشى نتنياهو ومؤيدوه في أميركا صدور قرار أممي، ليس بواقع ترجمته الفعلية من عدمها فحسب، بل لما قد يشكله من قيود على حرية حركة الرئيس الأميركي المقبل وصعوبة القفز عليه أمام «إجماع دولي».

رجّح المسؤولون الأميركيون، في المستويين السياسي والعسكري، رفض نتنياهو لقاء أوباما بأنه فضل عدم الظهور بمظهر التوافق أو الاستسلام لرغبة الرئيس الأميركي في مرحلة شديدة الحساسية تشهد فيها الولايات المتحدة مزايدات المرشحين لمنصب الرئاسة.

وأضاف أولئك أنّ نتنياهو شبه متيقن من أنّ الرئيس الأميركي المقبل سيكون «متفهماً» لوجهة نظره وسيصطفّ إلى جانب «إسرائيل» غير عابئ بالتبعات السياسية والإعلامية، على الرغم من كلّ المواقف والسياسات المؤيدة التي وفرها أوباما وفريقه. بيد أنّ الاتفاق النووي مع إيران، الذي أُبرم لحاجة أميركية صرفة تخصّ استراتيجيتها الكونية، لا يزال يشكل «خطيئة» لا يمكن لنتنياهو القفز عنها.

من نافلة القول إنّ نتنياهو وفريقه المؤيد داخل الحكومة الأميركية سيفعل كلّ ما بوسعه للحيلولة من دون مزيد من التقارب بين واشنطن وطهران، ناهيك عن تطبيع العلاقات بينهما. واستطراداً فإنّ المرشحة هيلاري كلينتون، رغم توجهاتها المؤيدة بشدة لـ«إسرائيل» تشكل امتداداً لسياسات الرئيس أوباما «وتتحمل» بعض المسؤولية في المفاوضات النووية.

في سياق إفراج وزارة الخارجية الأميركية عن «بعض» المراسلات الخاصة لوزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون، جاء في الحزمة المفرج عنها يوم 29 شباط الماضي، رسالة بعنوان «نتنياهو،» مرسلة من قبل أحد مساعديها السابقين، سيدني بلومنثال، قال فيها نقلاً عن نتنياهو «إن لم نستطع نحن النوم، فإنّ هيلاري لن يكون في وسعها الخلود إلى النوم،» في سياق اتخاذ مواقف متشدّدة خلال مرحلة التفاوض على الملف النووي الإيراني.

المراهنة على سياسات «الرئيس هيلاري كلينتون» سابقة لأوانها، بيد أنّ من المتوقع أن لا تشذ عن مواقفها المتشدّدة حيال قضايا الإقليم وازدرائها العمل في إطار مجلس الأمن الدولي لأي من القضايا العالمية، وحضورها الدائم وتكريمها أمام المنظمات الصهيونية الكبرى، إذا استثنينا علاقة الزواج التي تربط ابنتها الوحيدة تشيلسي بزوجها اليهودي. بيد أنّ للمنصب الرئاسي آلياته وقيوده الخاصة.

«الرئيس ترامب،» بالمقابل يحظى بقاعدة دعم وتأييد معتبرة من قبل اليهود الأميركيين، حسبما أفادت به أحدث استطلاعات الرأي، على الرغم من عدم إجماعها على تأييد عريض له. لترامب مصالح اقتصادية متعدِّدة تشدّه إلى مصادر التمويل والمصالح الكبرى، خاصة في «وول ستريت»، والتي يتصدّرها كبار المؤيدين لـ«إسرائيل».

كريمة ترامب، إيفانكا، من مطلقته الأولى اقترنت بزوجها اليهودي جاريد كوشنر، المنحدر من عائلة شديدة الثراء في مجال العقارات، واعتنقت الديانة اليهودية عام 2009 وينتميان إلى فصيلة المتدينين اليهود من الأرثوذوكس، واتخذت اسماً يهودياً «يائيل». للزوجين طفلان ربياهما كيهوديين ملتزميْن.

ترامب لم يدخر جهداً للإفصاح عن شديد اعتراضه على إبرام الاتفاق النووي مع إيران، لأسبابه الخاصة، وعزمه التعامل مع تداعياتها بسياسات «صعبة.» الجالية اليهودية ورموزها المؤثرة أخذت علمها بتوجهاته الإيرانية، خاصة إشارته المتكرّرة إلى تحرُّر إيران من القيود الدولية واستعادتها أصولها المالية المجمّدة.

الثابت في مواقف ترامب المتحركة أنه غير مقيد بضوابط فكرية أو أيديولوجية محدّدة، وينطلق من حسابات عملية تقارب الواقعية. لذا يأخذ عليه خصومه تردّده في الإقدام على اتخاذ سياسات متشدّدة بالإشارة إلى جهوزيته التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دون اللجوء إلى خيار المواجهة الأول.

كبرى الجاليات العربية في مدينة ديربورن بولاية متشيغان أيدت ترامب بغالبية بلغت 39 في المئة على منافسيه الآخرين في الحزب الجمهوري، مكافأة لتصريحاته السابقة الرافضة لنقل مبنى السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.

يستغلّ خصوم ترامب تصريحاته السابقة بأنه ينوي التزام «الحياد» في شأن الصراع «الفلسطيني ـ الإسرائيلي،» بيد أنّ مزايدات البازار الانتخابي سرعان ما تتبخر وتتلاشى أمام ثوابت السياسة الأميركية في المنطقة والتزامها غير المحدود بقاعدتها المتقدمة وضمان أمنها. وعليه لا يجوز التعويل على تصريحات أي من المرشحين لمنصب الرئاسة أو مساعديهم في هذا الشأن. الاستراتيجية الأميركية لها آلياتها وضوابطها وقوانينها التي لا تخضع لتوجهات فرد ما، قابل للتغير والتبديل في فترة لا تتجاوز أربع سنوات.

مجمل القول إنّ هوية الرئيس المقبل لن تحول دون لقائه نتنياهو فور تسلمه تسلمها مهمّات المنصب، وربما في الفترة الزمنية الفاصلة بين إعلان النتائج، نوفمبر 2016، وأداء اليمين الدستوري في 21 كانون الثاني 2017. من أبرز عناوين اللقاء، وفق أجندة نتنياهو، تقييم تداعيات الاتفاق النووي مع إيران وسبل تحسين العلاقات الثنائية بما يوفر لـ«إسرائيل» الكفة الراجحة في المعادلة.

أمام هذه اللوحة من المعطيات والمراهنات «الإسرائيلية» على غد أفضل مع الرئيس المقبل، لم يجد نتنياهو غضاضة لرفض اللقاء مع الرئيس المنتهية ولايته، ويعمل عن كثب للتمهيد لعلاقة أوثق مع الرئيس الجديد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى